كتاب "إحصاء العلوم" للفيلسوف أبي نصر الفارابي كتاب طريف في بابه، ألف في القرن العاشر الميلادي، فاشتهر ذكره في بلاد الإسلام وأصاب حسن التقدير عند أهل العلم في الشرق والغرب، امتدحه العارفون وعدّوه ضرورياً لجميع المثقفين والراغبين في البحث والإطلاع. ففي القرن الحادي عشر الميلادي تحدث القاضي "صاعد بن أحمد الأندلسي" (المتوفى سنة 463 هـ) عن الفارابي ومؤلفاته، فأبدى إعجابه بكتاب "إحصاء العلوم" إذ قال: "ثم له (أي الفارابي) بعد هذا كتاب شريف في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، لم يسبق إليه ولا ذهب أحد مذهبه فيه، ولا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به وتقديم النظر فيه".
وبالعودة لمضمون كتاب الفارابي هذا "إحصاء العلوم" نجد أن المصنف قد أحصى في مقدمته عناوين الفصول الخمسة التي احتوى عليها كتابه ثم نبه إلى ما لكتابه من فوائد عامة لمحبي المعرفة: فالكتاب يعينهم على أن يعرفوا موضوع العلم الذي يريدون أن يتعلموه، ويبصرهم بمنفعته والغاية منه، ويمكنهم من أن يوازنوا بين العلوم، ليتبينوا أفضلها، وأوثقها، وأتقنها، وأن يميزوا بين العالم الحقيقي والعالم المتفيهق الذي يدعى البصر بعلم من تلك العلوم دون أن يضطلع به أو يكون على بينه منه".
ويقسم الفارابي كتابه كما ذكرنا إلى خمسة فصول: الفصل الأول في علم اللسان وفروعه عن اللغة والنحو والصرف والشعر والكتابة والقراءة. وقد بحث الفارابي في مقدمة هذا الفصل بحثاً عاماً من معنى "القانون" والقاعدة الكلية. ثم بحث في الأجزاء السبعة الكبرى التي يتألف منها علم اللسان عند جميع الشعوب: وهي علم الألفاظ المفردة وعلم الألفاظ المركبة، وعلم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة وقوانينها عندما تكون مركبة، وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة وقوانين تصحيح الأشعار.
وظاهر أن بحث الفارابي هذا بحث علمي في قواعد اللغة على العموم لا قواعد لغة بعينها، وإن كان يورد الأمثلة من اللغة العربية. ومن أقوى فصول الكتاب وأمتعها الفصل الثاني والذي عقده الفارابي لعلم المنطق. وهذا الفصل كله قد نقله ابن طملوس في مقدمة كتابه "المدخل لصناعة المنطق".
وقد بين الفارابي في هذا الفصل وجه الحاجة إلى المنطق ومنفعته وضرورته لمن أقدم على الدراسات العلمية، وأوضح موضوع المنطق. وذكر وجوه الشبه والخلاف بين المنطق والنحو، والقضايا المختلفة التي يستعملها المنطق: البرهانية والجدلية والسفسطائية والخطابية والشعرية، وأشار إلى مختلف أبواب المنطق في علاقتها بهذه القضايا وفقاً لقانون أرسطو: وهي المقولات (قاطيغورياس) والعبارة (باري أرمينياس) والقياس (أنولوطيقا الأولى) والبرهان (أنوطيقا الثانية) والمواضع الجدلية (طويبقا) والحكمة المموهة (سوفسطيقا) والخطابة (ريطوريقا) والشعر (بويطيقا).
والفصل الثالث في علم التعاليم (أي الرياضيات). وينقسم إلى سبعة أجزاء عظمى: علم العدد وعلم الهندسة (وهذان العلمان بحسب كتاب "الأصول"لاقليدس) وعلم المناظر (أو علم البصريات) وعلم النجوم التعليمي (أي علم الفلك)، الذي يبحث في الأجسام السماوية عن أشكالها ومقادير أجرامها ونسب بعضها إلى بعض وعن حركاتها بالقياس إلى الأرض وما إلى ذلك، وعلم الموسيقى بأجزائه الكبرى، وعلم الأثقال الذي ينظر في الأثقال من حيث يقدر بها، وفي الآلات التي تستخدم في رفع الأشياء الثقيلة ونقلها من مكان إلى مكان، وعلم الحيل (الميكانيكا التطبيقية) ويعطي وجوه معرفة التدابير والطرق في التلطف لإيجاد العلوم الرياضية بالصنعة وإظهارها بالفعل في الأجسام الطبيعية والمحسوسة.
والفصل الرابع في العلم الإلهي (ما بعد الطبيعة) والعلم الطبيعي (الفيزيقا). والفصل الخامس في العلم المدني (علم الأخلاق وعلم السياسة) وعلم الفقه وعلم الكلام، ويعترف الفارابي أنه قد تابع هنا آراء أفلاطون في كتاب "الجمهورية" وآراء أرسطو في كتاب "السياسة". ويختم الفارابي كتابه بعلم الكلام.
رابط مباشر لتحميل الكتاب: اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.