تدخل مقارنة أوزوتسو للنص القرآني ضمن محاولات عديدة لتطبيق معطيات العلوم
الإنسانية في مجال تفسير القرآن، وهي مسألة لها تعلق بالرؤية والمنهج معا، فالرؤية
للقرآن وطبيعته؛ وكذلك لطبيعة التأويل والمقاربة تحددان وبشكل واضح الموقف من
إعمال الأدوات المنهجية المرتبطة بعلوم أخرى في مجال التفسير.
ولقد أشار أوزوتسو إلى مسألة المنهج في التعامل مع النص القرآني، وبوصفه
مستشرقاً فإن قضية التعددية المنهجية وقضية إعمال المناهج الإنسانية في مقاربة
القرآن تبدو بالنسبة إليه قضية مفروغاً منها، ولأن القارىء المسلم المطلع على الإسلام
هو المستهدف الأول بكتاب إزوتسو(1) فإن الكاتب لم يستشعر حساسية القضية داخل مجال
التداول العربي الميال إلى تقليدانية واضحة وحس محافظ جدا إذا ما تعلق الأمر
بتفسير القرآن، ولذلك فإن القضية تحتاج في تصورنا إلى تأصيل تاريخي في محاولة
إقناع الفكر المحافظ من جهة والاقتناع بمردودية هذا المنهج في تفعيل دلالات الوحي
وإدخالها في صميم الفعل التاريخي.
وإذا كان الأمر متعلقاً هنا بعلم الدلالة -وهو حقل معرفي متعلق بعلم اللغة
العام-، فإن قضية التأصيل التي غض أوزوتسو الطرف عنها تبدو أسهل من التأصيل لإعمال
حقل معرفي آخر كعلم النفس أو علم الاجتماع، والسبب في تصورنا هو أن المنهج اللساني
المحض وأثره في تفسير القرآن أصيل في الممارسة التفسيرية التراثية إن لم نقل إن
التفسير اللغوي للقرآن هو أو لطريقة تفسيرية استعملها المتلقي الأول للوحي من أجل
استقطار دلالاته من جهة ولغرض حل بعض الإشكالات الدلالية والتي كانت تشوش على
التلقي الطبيعي للرسالة.
ولأن اوزوتسو قد أغفل هذا التأصيل أو ربما تصور جدة ما في تناوله اللساني
للقرآن فإننا سنعمد إلى تكميل هذا النص من خلال طرح نموذج تأصيلي للممارسة
التفسيرية اللسانية نبتغي منها هدفين:
- تصحيح تصور خاطىء نشرته التصورات المدرسية عن اتجاهات التفسير وعلومه،
حيث يغلب على الدارسين الاعتقاد بأن المحاولات التفسيرية الأولى كانت محاولات
دلالية في أصل نشأتها، أي أن المفسر كان طالباً للدلالة القرآنية عن طريق
الاستعانة بأداتين:
1- الأداة النقلية في إطار ما يسمى عادة بمدرسة التفسير بالمأثور.
2- الأداة العقلية لما يسمى بمدرسة التفسير بالرأي.
لقد رأى كثير من الدارسين أن المحاولات المبكرة لتأسيس منهج تفسيري كانت
لغوية بالأساس، حيث ساد التأليف في المعاني القرآنية وهي حركة تأليفية نشيطة دلت
على إجرائية التناول اللساني في حل المشاكل الدلالية للقرآن من جهة ووضع الأسس
لنظرية تأويلية منفتحة على العقل والنقل سيتم إجهاضها بعد حين.
وإذا كانت الكتب التفسيرية الأولى والمرتبطة بمعاني القرآن هي البداية
الحقيقية لعلم التفسير النسقي، فلقد أثير سجال حول كتب (معاني القرآن) ومدى صلتها بعلم
التفسير، وكان (مجاز القرآن) لأبي عبيدة(2) موضوع هذه المساجلة؛ إذ أخرجه
بعضهم من التفسير، وأدخله البعض الآخر فيه، وكان السبب في هذا السجال راجعاً -في
اعتقادي- إلى سببين:
سبب عقدي
ومدار هذا السبب على اقتران التأليف في معاني القرآن، بالاعتزال(3)؛ إذ اختصت هذه الكتب، بيان مشكلات الألفاظ والمعاني في القرآن، وحمل
بعضها على وجوه تناسب الاعتقاد المذهبي، والرأي الكلامي، فأثار سخط أهل الحديث؛
لتقوم بذلك معركة مبكرة بين مدرسة التفسير بالرأي ومدرسة التفسير بالمأثور.
قال أبو عمر الجرمي (ت 225 هـ): (سألت أبي عبيدة: عمن أخذت هذا يا أبا عبيدة؟ فإن هذا (خلاف) تفسير
الفقهاء؟) ، فرد عليه أبو عبيدة قائلاً: هذا تفسير الأعراب البوالين على أعقابهم،
فإن شئت فخذه، وإن شئت فذره، قال أبو حاتم: وما يحل لأحد أن يقرأه إلا على شرط إذا
مر بالخطأ أن يبينه ويغيره)(4).
فالجرمي يعترف بكون مجاز القرآن تفسيراً، ولكن يعترض على الطريقة التي
اتبعها صاحب الكتاب في استخلاص المعنى القرآني، وهي طريقة خاصة مباينة لمسالك
التفسير عند الفقهاء، والتي تنبني على النقل والإسناد، ومعرفة أسباب النزول، وربط
المعاني بالأحكام الشرعية ليهتدي بها المكلفون.
وسبب هذا الخلاف بين المعتزلة ونظراتهم من أهل الحديث، تلقى المسلمون في
بعض الأحيان كتب معاني القرآن تلقياً ساخطاً، وكانت السلطة تتدخل لفض النزاع
وتهدئة الأوضاع، وتحدثنا بعض المصادر كيف أن قطرب بن المستنير (لما صنف كتابه في
التفسير؛ أراد أن يقرأه في الجامع، فخاف من العامة وإنكارهم عليه؛ لأنه ذكر مذهب
المعتزلة، فاستعان بجماعة من أصحاب السلطان ليتمكن من قراءته بالجامع)(5).
ولم يكن هذا الموقف من كتب معاني القرآن، إلا لأنها كتب تفسير القرآن
انطلاقاً من مذاهب أصحابها واعتقاداتهم؛ لذلك روي عن الإمام أحمد (ت241 هـ) نهيه عن اعتماد كتابي أبي عبيدة والفراء(6) انسجاماً مع رؤيته في عدم
جواز الأخذ بمقتضى اللغة في تعيين المعنى القرآني(7) (وقد حملت كراهته لذلك، على
من يصرف الآية عن ظاهرها إلى معان محتملة يدل عليها القليل من كلام العرب، ولا
يوجد غالباً في الشعر ونحوه ويكون المتبادر خلافها)(8).
لذلك اُعتبرت كتب المعاني كتباً في اللغة؛ حتى لا تمتزج بكتب التفسير؛ بسبب
ما أشرنا عليه من الإعتراض على بناء التفسير على مقتضى المذهب لغة واعتقاداً.
سبب اصطلاحي
فعلم التفسير من العلوم التي اختلف في حدها وتعريفها، وهو ما يفسر تردد
العلماء في اعتبار كتب المعاني داخلة في الحد الذي وضعوه لعلم التفسير(9).
فهناك تعريفات لو أخذنا بمقتضاها في تعيين المقصود بهذا العلم؛ لأخرجنا كتب
المعاني من الاعتبار، وهي تعريفات توسعت في الشروط التي يقوم بها التفسير ومن ذلك
ما عرفه به الزركشي من أنه (علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد -صلى
الله عليه وسلم-، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم اللغة
والنحو والتصريف، وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول
والناسخ والمنسوخ)(10).
ومعلوم أن إتقان هذا العلوم كلها، لا يكاد يتحقق للمفسِّر الواحد؛ ولهذا
وجدنا كثيراً من التفاسير، يغلب عليها اهتمام المفسر، ومجال تخصصه؛ فالبلاغة غالبة
في كشاف الزمخشري، وعلم الكلام مهيمن في مفاتيح الغيب للرازي، والفقه غالب في
تفسير القرطبي، والنحو غالب في البحر المحيط لأبي حيان، ولم يمنع هذا من اعتبارها
كتباً في التفسير؛ لذلك جنح البعض إلى التقليل من الشروط الواجب توفرها في المفسر،
قال أبو حيان: (التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها
وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، وتتمات
لذلك)(11).
والتتمات عنده معرفة النسخ، وأسباب النزول والقصص وغير ذلك(12)، واستناداً إلى مثل هذا التعريف، فإن معاني القرآن، داخلة في كتب التفسير
المعروفة. وليس من قبيل الصدفة أن يطلق عليها اسم مميز هو (معاني القرآن) وهو
اصطلاح يفيد تناول مشكلات التركيب والدلالة في النص القرآني، وليس مطلق تراكيب
القرآن ودلالاته. قال الراغب الاصفهاني: (واعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف
معاني القرآن وبيان المراد، أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره، وبحسب المعنى
الظاهر وغيره، والتفسير أكثره في الجمل)(13).
فالعلاقة بين التفسير والمعاني، علاقة عموم بخصوص؛ إذ يستغرق التفسير كل
الكتاب بياناً وإيضاحاً، ولهذا قال الزركشي في لفظ (التفسير): (إنما بنوه على
التفعيل؛ لأنه للتكثير؛ كقوله -تعالى-: ﴿يذبحون أبناءهم﴾، ﴿وغلقت الأبواب﴾، فكأنه
يتبع سورة بعد سورة وآية بعد أخرى(14).
ويشهد لهذا، تفسير ابن عباس لقوله -تعالى-: ﴿وأحسن تفسيراً﴾(15) بقوله: (أي تفصيلاً)(16).
وإذا كان التفسير تتبعاً تفصيلياً لألفاظ القرآن وتراكيبه، فإن كتب المعاني
تيمم شطر الألفاظ والتراكيب التي تطرح استشكالات لغوية أو عقدية، يستدعي الأمر
فيها إعمال الفكر لتخريجها وتأويلها على مقتضى النظر اللغوي والعقدي.
ولفظ (معاني القرآن) إذا أطلق عند القدماء تمحض للدلالة على ما يشكل على
الفهم ويستعصي على الإدراك (فقد كان هذا التركيب يعني به ما يشكل في القرآن،
ويحتاج إلى بعض العناء في فهمه، وكان هذا بإزاء معاني الأثار ومعاني الشعر أو
أبيات المعاني)(17).
لهذا نجد الفراء مثلا لا يفسر القرآن آية آية، بل ينتقي منه ما يراه غامض
الدلالة محتاجاً إلى بيان، ففي قوله -تعالى-: ﴿إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله
والمسجد الحرام﴾(18) قال الفراء: (ولو قيل: إن الذين كفروا وصدوا لم يكن فيها ما يسأل عن)(19) فدل هذا على أن ما استرعى انتباه الفراء ليس الآية الكريمة في ذاتها،
وإنما ظاهرة تكسير التركيب المنطقي للزمن، بعطف المضارع على الماضي، هي ما دفع
الفراء لتفسير الآية وبيان مشكلها.
فكتب معاني القرآن -لهذا الاعتبار- تفاسير خاصة، تستند إلى اللغة في
استدلالها على المعنى المقصود، فهي بذلك تشترك مع كتب التفاسير في البحث عن معنى
النص القرآني، وإن اختلفت السبل المؤدية إلى ذلك.
- الرد المنهجي المؤصل على الاتجاه القاضي برفض استثمار الآليات اللسانية
الحديثة في مجال التفسير بحيث أن بعض الدارسين وبسبب الخوف من الجديد، أضحوا
ميالين إلى التشكيك في المشاريع التفسيرية التجديدية المبنية على المعطيات
اللسانية الحديثة بدعوى تغريب التفسير وإبعاده عن أصوله التراثية.
الموقف المنهجي من كتاب أوزوتسو
إن تصورنا العام لأطروحة إزوتسو ينتظمه منزعان:
- منزع منهجي يثمن مثل هذه
المحاولات ويدعو إلى دعمها والتعريف بها لما تفتحه من مجالات جديدة قد تسفر عن
معرفة ما بالنص تجعله فاعلا في تعديل التصورات وتفقيهها إلا أن هذا الاحتفال
المنهجي ينبغي أن نضعه في إطاره الأداتي، والمقصود أن إزوتسو استثمر بعض الأدوات
من علم الدلالة كالحقل الدلالي والمفاهيم المفتاحية والمعاني الأصلية والعلاقية
وحاول إعمالها في تفسير النص وهذا لا يعني بالضرورة أنه قد أفلح لمجرد الإعمال
الأداتي للمنهج الدلالي. فلقد برع الرجل فعلا في التصنيف ولكنه بالغ نوعا ما في
الحديث عن طموحات لم ينجزها مع كامل الأسف ولهذا جاء الكتاب مكتنزاً بعبارات: سنرى
وسنفعل وسندرس، مع أن أغلب ما ذهب إليه لم يكن جديداً في ذاته وإن برع في تصنيفه
منهجياً.
- منزع تأويلي والمقصود منه أن
الأدوات المنهجية قد تكون لها أهمية تصنيفية ما ولكنها قد لا تكون مفيدة حين
الإعمال التطبيقي، وهذا ما حدث كثيراً مع إزوتسو حيث إن الترسانة المنهجية لم يتم
توظيفها تأويلياً أي أنها لم تكن منتجة كما طمح إلى ذلك المؤلف.
الدلالة القرآنية بين التحويل والنقل
أثير نقاش مهم في تراثنا حول تعامل الشارع مع اللغة هل ينقل الدلالات إلى
معاني جديدة أم أن الأمر يقتصر على عمليات دلالية منسجمة مع أصل التداول كالاتساع
والتعميم والتخصيص. ويبدو أن إزوتسو متحمس للرأي الأول مع الإشكالات النظرية
والتطبيقية التي يطرحها، ففي الوصف التاريخي لدلاليات المعجم القرآني يقف المؤلف
أمام ثلاث مراحل:
1- المرحلة الجاهلية أو ما قبل القرآنية بتعبيره(20).
2- المرحلة القرآنية.
3- المرحلة ما بعد القرآنية أو العباسية تحديداً.
ويعرض الكاتب لأنساق معجمية سائدة في المرحلة ما قبل الجاهلية وأهمها:
1- المعجم البدوي المرتبط بسياق الترحل والطعن.
2- المعجم الحضري المرتبط بالطبقة التجارية وهو مؤسس على الأول.
3- المعجم الديني المسيحي واليهودي والحنفي.
ويرى المؤلف أن المعجم القرآني خليط من الأنساق الثلاثة ولكنه مع ذلك مستقل
في بنائه للدلالة، فهو مكتف بذاته ويمثل بنية كلية، فكلمة (الله) مثلا تعني لدى
العرب الجاهليين شيئاً مختلفاً عما تعنيه في القرآن مع التسليم بمعرفتهم بها كما
يشهد بذلك الشعر العربي الجاهلي والقرآن نفسه.
ويذكرنا إزوتسو هنا بقضية نوقشت في إطار قضية لغوية كبرى اهتم بها علماء
اللغة والأصول وهي حدود العلاقة بين الدلالة الوضعية للألفاظ والدلالة الشرعية لها
وهل نقل الشرع أو القرآن تحديداً المدلولات من الإحالة الوضعية إلى إحالة جديدة.
ولقد ذهب كثير من العلماء على غرار إزوتسو إلى أن الشرع قد أحدث في اللغة أوضاعاً
جديدة وخالفهم الجويني والباقلاني، ولهذا تصوروا أن كلمة الله مثلاً لا تعني في
القرآن ما تعنيه عند العرب، حيث أحدث القرآن فيها دلالات جديدة وهو عين ما ذهب
إليه إزوتسو، فقد استشهد على هذا صفي الدين الهندي بقوله -تعالى-: ﴿ولئن سألتهم من
خلق السماوات والأرض ليقولن الله﴾(21) قال: (فإن هذا اللفظ (أي الله) كان معلوماً
لديهم.... لكن لم يضعوه لله -تعالى-)(22). وهذا في الواقع محض تقوّل بلا دليل، ويظهر تهافت
ما ذهب إليه بإتمام الآية بقوله -تعالى-: ﴿أنى يؤفكون﴾ أي كيف يكذبون بأن أخبروا
بغير ما يطابق الواقع في اعتقادهم، ولو أنهم جهلوا معنى اللفظ لما كان هناك سبب
لرميهم بالكذب لأنهم سيكونون ساعتها قد أخبروا بشيء لا يعتقدون خلافه(23).
وعموماً فإننا نرى وخلافاً لما أراده إزوتسو بأن الشرع لم يأت ليحدث في
اللغة أوضاعاً جديدة، لا أن يتصرف فيها على غير هدى من سننها وقانونها فلا يتصور
إذن وقوع الوضع الشرعي الثاني كما لا يتصور أن تنفصل الدلالة القرآنية عن الدلالة
اللغوية للألفاظ بحيث تشير الثانية إلى معنى لا تشير إليه الأولى، ولقد تنبه الشيخ
عبد القاهر الجرجاني إلى هذا حين قال: (وأقل ما ينبغي أن تعرفه الطائفة الأولى وهم
المنكرون للمجاز أن التنزيل كما لم يقلب اللغة في أوضاعها المفردة عن أصولها ولم
يخرج الألفاظ عن دلالتها وأن شيئاً من ذلك إن زيد إليه ما لم يكن قبل الشرع ما يدل
عليه، أو ضمن ما لا يتضمنه أتبع ببيان من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك لم
يقصد بتبديل عادات أهلها، ولم ينقلهم عن أساليبهم وطرقهم... من التشبيه والتمثيل
والحذف والاتساع)(24).
ومعنى ذلك أن ما قام به الشرع تجاه الألفاظ ليس سوى عمليات دلالية تقوم بها
الجماعة اللغوية نفسها في تعاملها مع الألفاظ أقصد بهذه العمليات: التخصيص
والتعميم والتأكيد وغير ذلك.
والحاصل أن الفرق في تصور مدلول لفظة (الله) بين التصور القرآني والتصور
الجاهلي محله الاعتقاد وليس اللغة، فهو إذن متعلق بما يريد المتكلم أن يفهمه من
اللفظ لا بما يوجد اللفظ عليه في المعجم فبطل أن تناقش القضية في مجال علم
الدلالة، والأحرى أن تناقش في مجال خاص وهو العقيدة.
وينطبق هذا على التحويل الدلالي للفظة (الكرم) والتي رأى إزوتسو أن القرآن
قد حلوها تحويلاً دلالياً جذرياً من مفهومها الجاهلي إلى مفهوم قرآني وليد(25)، مع أن الدلالات القرآنية للكرم منسجمة مع أصلها الدلالي في المعجم
العربي وإن زاد القرآن دلالات جديدة فمن باب الاتساع الدلالي المعروف في كل اللغات
ومعناه الإبقاء على الدلالة الأصلية وإضافة معنى جديدة عادة ما تكون ذات أبعاد
سياقية.
إن محاولة أزوتسو محاولة مهمة للدراسات التفسيرية الحديثة، غير أن ما نحذر
منه هو السقوط في مغبة التهويل، بحيث نذهب إلى أن الرجل أتى بالجديد في المجال
المعرفي وهو ما نفتقده في كتاب أوزوتسو حيث أن القضايا التي طرحها وبكثير من
التبسيط المخل الذي اعترف به هو نفسه قضايا نوقشت بكثير من العمق في تراثنا، ولهذا
فإن أهمية الكتاب تكمن في إحياء التنويع المنهجي في تناول الوحي مما يؤدي إلى تقدم
الدراسات القرآنية وانتشالها من الجمود الذي تتخبط فيه بسبب غلبة الميول الدينية
البسيطة على عقول المهتمين بالدراسات القرآنية خصوصاً والإسلامية على جهة العموم.
المصدر: مجلّة
التسامح، العدد السابع عشر.
*******************
الحواشي
*) باحث وأكاديمي من المغرب.
-1Toshihiko Izutsu, God
and Man in the Quran Islamic Book Trust 2002.p2
2- يعتبر كتاب مجاز القرآن داخلاً في كتب المعاني، قال القفطي متحدثاً عن
التصنيف في معاني القرآن: (أو من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن
المثنى، ثم قطرب بن المستنير ثم الأخفش وصنف من الكوفيين الكسائي ثم الفراء) إنباه
الرواة على أنباء النجاة، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب المصرية، ط1،
1955م(4/14-15).
3-
إبراهيم عبد الله رفيدة، النحو وكتب التفسير، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع ،
ط3، مصراته، ليبيا،1990م (1/551).
4- الزبيدي، طبقات النحويين واللغويين، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، سلسلة
ذخائر العرب رقم 50، دار المعارف، القاهرة، مصر (د،ت) ص176.
5- نقلاً عن: إبراهيم عبد الله رفيدة، المرجع السابق (1/155).
6- الداودي، طبقات المفسرين، ت: علي محمد عمر، ط1، مكتبة وهبة، 1972م، مصر
(1/106-107).
7- ويروى عن الإمام أحمد في جواز التفسير بمقتضى اللغة روايتان متعارضتان،
ينظر: رفيدة، المرجع السابق (1/542).
8- رفيدة ، المرجع السابق (1/542).
9- يراجع في هذا الاختلاف: الإتقان للسيوطي(4/167) ومناهل العرفان
للزرقاني(2/3-4).
10- الزركشي، البرهان، (1/13).
11- أبو حيان، البحر المحيط (1/121).
12- البحر المحيط (1/121).
13- الزركشي، البرهان، (2/148).
14- نفسه، (2/147).
15- الفرقان، الآية: 33.
16- الزركشي، البرهان، (2/148).
17- الفراء، معاني القرآن، ت: أحمد يوسف نجاتي، ومحمد على النجار(د.ط.ت)
(1/11-12 من مقدمة المحققين).
18- الحج، الآية: 25.
19- الفراء، معاني القرآن (2/221).
20- نفسه ص،36.
21- الزخرف، الآية 87.
22- الإبهاج، 1/276.
23- مفاتيح الغيب، 27/200.
24- أسرار البلاغة، 341-342.
25- نفسه،ص39.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.