يعد كتاب الأحكام
السلطانية والولايات الدينية، باتفاق أغلب دارسي الماوردي وفكره، في مقام الذروة
في فكر الماوردي السياسي، فقد احتوى على خلاصة أفكاره ورؤاه النظرية والتطبيقية
وكان عنواناً للحبكة الناضجة وبمثابة آخر المطاف في مراحل تطور أفكاره. صاغ
الماوردي أفكاره بطريقة عملية واقعية مما جعلها تقترب من أصول التقنين الدستوري.
وكان مقصده من
وضع مؤلفه هذا هو تشخيص نظرية سياسية إسلامية، أو نظرية عامة للدولة الإسلامية،
وجعلها مرجعاً وأساساً يخلص الدولة الإسلامية-والخلافة بوجه خاص-من أحوال التردي
والهوان والانتهاك والهيمنة الخارجية مما كانت تعانيه بسبب التسلط البويهي من جهة
والسلجوقي من جهة ثانية والصراعات والتجاذبات بين القوتين من جهة أخرى مما كان قد
انتهى بالخلاقة إلى أن تصبح مجرد شكل أو واجهة أو معنى مجرد من أية سلطات حقيقية.
لقد اعتمد
الماوردي أساساً ونقطة الانطلاق في نظرياته التي وضعها بناءً على خبراته كفقيه
لامع ومجتهد، شجاع وجرئ، وكقاض للقضاة امتلك زمام العلم بالشريعة وأحكامها
التطبيقية، وكرجل دولة عمل فترة طويلة ضمن طاقم الخلافة وعرف أصول الحكم وسبله
وخباياه، اعتمد الأصل التاريخي للسلطة الإسلامية مشخصاً ذلك الأصل على أنه المبدأ
الأساسي فيما ينبني عليه وفوقه من بنيان سياسي معاصر.
فالهدف عند
الماوردي كان تحديداً وضع نظرية كلية للدولة الإسلامية من خلال التنظير للخلافة،
ودليل ذلك أنه قدم نظرية الخلافة ثم انتقل إلى وضع الأحكام المتعلقة بالإدارة
والجيش والمظالم والحسبة والخراج مما يلحق بمنظومة الخلافة ويشكل بمجموعه كيان
نظام الحكم في الدولة.
فالماوردي استهدف
التنظير للدولة الإسلامية بصيغة عملية من خلال منهج النقد المتواصل المكشوف حيناً
والمبطن حيناً والمبطن حيناً آخر للأحوال السياسية التي كانت سائدة. ولقد كانت
مهمته غاية في الصعوبة. اعتمد الماوردي منهجاً واقعياً انبتى على التقييم والنقد
الواعي للواقع الذي عاصره وانغمس فيه، فكان برنامجه مرآة عكست أحوال تلك الحقبة
وكانت تقييماته واستعراضاته النقدية معبرة بدقة وبصدق عن أحوال عصره. وأعمل من ثم
فكره وعميق علمه بداء في التركيز على شرعية السلطة ممثلة في الخلافة القائمة على
الاختيار المستند إلى الإجماع الذي، تقوم عليه، الشريعة منتقلاً من ثم إلى التقريب
والمقارنة بين شكل الدولة الإسلامية منذ فجر الإسلام مرتكزا على استقراء التاريخ
الإسلامي بهدف إثبات شرعية الخلافة والتنظير للحاضر الشرعي وغير المشروع، طارحاً
الحلول والبدائل التي تفضي إلى تصحيح الواقع وتعديله ليتواءم مع ذلك الأصل
التاريخي الشرعي.
وبالنظر للأهمية
التي يحتلها هذا الكتاب فقد اعتنى القاضي "نبيل حياوي" بتذيله بتحقيق
لطيف تخطى فيه المحقق الجهد التقليدي في المراجعة والمطابقة اللازمين للتحقيق من
صحة النصوص وفي تخريج الأحاديث وكشف بعض الغوامض إلى تقديم شمل مفاصل كثيرة منها
عصر الماوردي، الأوضاع التاريخية التي عاصرها متأثراً ومؤثراً في واقعها سيرة
الماوردي وسماته الشخصية، علمية الماوردي ومؤلفاته آراءه في الخلافة والسياسة، وفي
المقدمة أيضاً نبذة مستفيضة سلط من خلالها المحقق الأضواء على كتاب الأحكام
السلطانية في ذاته، بعدما عرف بالمؤلف ووسطه وعصره كما ذكرنا.
رابط مباشر
لتحميل الكتاب: اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.