تقديم الكتاب بقلم: د. محمد سالم سعد الله
يعد هذا الكتاب من المحاولات المهمة في رسم صورة الولايات المتحدة على مستويات عدة بدءاً من السلوك الفردي، مروراً بالنهج الثقافي والاجتماعي ، وانتهاءً بأخلاقيات السياسة العامة ، ويقدم هذا الكتاب لقطات حية ومثيرة للتوجه الأمريكي نحو العالم ، وهروبه من إيقاع الواقع الداخلي الأليم الذي ينم عن مفارقات في مستوى حياة الفرد ، وخلخلة في البنية الأسرية والاجتماعية والنفسية بل وحتى المستقبلية .
ويؤكد الكاتب أن وجه أمريكا الثقافي لا يتحدد إلا بعد الإلمام بجوانب الحياة الأمريكية على اختلاف أصعدتها ، وأن هذا الوجه المشوه والمسخ يتسم عادة بمصادرة حرية الغير أولاً والتشدق بالحرية الذاتية (الأنانية ) ثانياً انطلاقاً من المنهج البراجماتي المسيطر على مقاليد الرؤية الحياتية العامة في المجتمع الأمريكي ، فضلاً عن تجاوزه لجميع الخطوط التي توصف أحيانا بالعرف والتقليد والحكم الديني والمقدس ونحو ذلك ، فلا شيء مقدس ، ولا شيء يتصف بالخُلق ، بل ليس هناك ما يتصل بالغيب مطلقاُ فكلّ المشاكل تحلّ بعيداً عن السماء ، لأن الإنسان اليوم ـ حسب التصور الأمريكي ـ بات جاهزاً لحلّ جميع المشكلات ما ظهر منها وما بطن ، فالوقت هو المال ، والإنسان هو الإله الخارق ، والإله هو الأسطورة القديمة التي يجب عدم التطرق إلى أحداثها ! .
هذا جزء من وجه أمريكا الثقافي الذي يتجمل عادة بدماء الشعوب الضعيفة ، ويعتاش على فتات الموائد التي تنحدر من ثروات من لا يحسن استخدامها ، وينتصر لكل إرهابي في الأرض وفي القمر ويصفه بأنه من دعاة السلام ، لكن بشرط ألاّ يكون مسلماً .
في الكتاب مواضيع شيقة انطلقت من معايشة الكاتب للأحداث في قلب الحدث ، ويدور جلّ الحديث عن امتلاك المصطلح وتسييره ، والسيطرة على اللغة والتلاعب بها ، واحتكار السينما العالمية وترويضها ، وافتعال عقدة الشرق المتخلف الذي لم يرقَ بعد ـ حسب التصور الأمريكي ـ إلى الانضمام إلى الجانب الغربي المتقدم ، فضلاً عن أحاديث في الحضارة والإبداع والإمبراطورية والأوهام والمرأة و … الخ .
ويؤكد الكاتب السعودي ( الغذامي ) أن أمريكا تحولت إلى إمبراطورية عظمى غايتها الأساس هي الهيمنة والسيطرة على مقاليد الشعوب وخيراتها لإدامة العجلة العسكرية والتقنية ، ولهذا عمدت إلى تدجين الخصوم وإخضاع الآخر المنافس والآخر المختلف إلى المسار الأمريكي الذي لا يخطئ أبداً ! ، لقد دخلت أمريكا في حرب عالمية لا تقل أهمية عن الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وهذه الحرب الجديدة هي حرب الفكر والثقافة والعقول ، إنها حرب اللغة والتلاعب بالمعنى ، إنها حرب السيطرة الإعلامية والتقنية ، ولهذا ترددت عبارات من مثل ( العالم الجديد ) ، ( والنظام العالمي الجديد ) ، … ونحو ذلك .
يبقى هذا الكتاب دعوة إلى كشف القناع الأمريكي ، ورؤية الوجه الجديد عن كثب ، الوجه الملطخ بملايين الأجساد من هنا وهناك : من العراق ومن الصومال ومن أفغانستان ومن الهنود الحمر ومن أفريقيا ومن فيتنام ، … وهلم عدواناً وقسراً إلى ما شاء الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.