تضع قضيةُ المفكِّر نصر حامد أبو زيد مسألةَ الاختلاف والاعتراف في قلب الحدث، وذلك في عصر ما بعد الحداثة، الذي يقوم فيه المنطق والأخلاق والحكمة وآداب المعاملة على التفاضُل(الاختلاف) – وليس على التضادِّ والنفي والسلب و/أوعلى الاتفاق والتطابُق والتمركزيات الأصولية والأصولية المضادة – وعلى الاعتراف، بما هو الوجه الديني للاختلاف الدهري المتحرِّر من الحرف والنص. وإذا كان الاختلاف التفاضلي من طبيعة أونطولوجية وفلسفية محضة ودنيوية، فإن الاعتراف والتسامح من طبيعة أخلاقية، خلاصية، دينية.
وإذا كان منطق التطابق والائتلاف يقوم على الخلاف والنبذ والتكفير، فإن منطق الاختلاف والاعتراف يقوم على التعدُّد والحوار والتفكير. وحين يصبح التفكير والتكفير – وهما من جذر لغوي واحد – عرضة للتلاعبات الإيديولوجية، يتحول الاختلاف في الرأي والاجتهاد والعقل (فعل التعقُّل والتأمل الفكري) إلى خلاف وتناقض وتضاد.
والمعرفة لا تستقيم بلا ريبة؛ بل هي الوجه الآخر للحقيقة عينها وللحقِّ عينه، في جدلية الحضرة والغيبة، والحرف والمعنى، والمختلف والمؤتلف. فلماذا لا يقبل العقلُ الأصولي "نقد الخطاب الديني" والإقرار بمبدأ الحقِّ في الاختلاف؟ ولماذا لا يقبل العقل الحداثي الآخرَ الديني، كما هو، بمنظور الحقِّ بالاعتراف؟
الجواب المُشكِل يناط بالمسألة الحضارية. فعندما تصعد حضارة ما في درجات التطور التاريخي، تكثر العوامل الجاذبة؛ وعندما تتأخر وتتقهقر، تزداد العوامل النابذة. وعندما تتفوق عواملُ النبذ على عوامل الجذب، يسود الحرف ويتقهقر المعنى، ويحلُّ الجهل محلَّ العلم، ويتراجع العقل في إزاء النقل، ويحلُّ التقليد محلَّ التجديد، ويسود التالد بدل الطريف، ويصبح الاتِّباع مناط الإبداع، والإبداع رديف البدعة، والحداثة معادلاً لمُحدَثات الأمور المرادفة للكفر والهرطقة والزندقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.