نعيش هذه الأيام على وقع مرحلة جديدة في الوطن العربي الذي تجتاحه موجة ثورات شعبية من غربه إلى شرقه ، مست بصداها كل النظم العربية وحتى غير العربية وان بأشكال مختلفة ، ثورات تحمل مطالب متعددة بدءا بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية وصولا إلى الإصلاحات السياسية ، هذه الثورات التي كسرت حاجز الخوف ورسخت ثقافة سياسية جديدة ،كما قادت إلى التغيير الاجتماعي والسياسي في دول عربية مهمة ، فسقطت أنظمة واهتزت عروش لوقعها ، نظم لم يكن اشد المتفائلين يتوقع لوقت قريب أن تقدم أدنى تنازلات لصالح شعوبها ، وباعتبارنا شباب في قلب هذه الموجات الثورية ،ونعيش المرحلة بأدق تفاصيلها ، فان هذه الاحتجاجات والتحولات تستفزنا للبحث في مكنون ظاهرة الثورة ، والبحث عن أسبابها ومحاولة فهمها من خلال النظريات والمداخل المفسرة لها ، وهذا ما سنحاول التعرض له في معرض بحثنا عن سيسيولوجيا الثورة ، والذي نسعى من خلاله إلى الاقتراب من الظاهرة الثورية .
I- مفهوم الثورة
إن ضبط مفهوم للثورة أمر صعب جدا ، بسبب تنوع الفهم للمصطلح وتنوع إقترابات المفكرين منه ، كل حسب إيديولوجيته وحسب اختصاصه وسنسعى في هذا الاتجاه إلى عرض أغلب وجهات النظر .
فنجد من يستخدمه للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية، أي عندما يتم تغيير حكم قائم وتغيير النظام الاجتماعي والقانوني المصاحب له بصورة فجائية ، وأحيانا بصورة عنيفة (1).
كما يستخدم المصطلح للتعبير عن تغييرات جذرية في مجالات غير سياسية كالعلم والفن والثقافة لأن الثورة تعني التغيير ، واستخدم مفهوم الثورة بالمعنى السياسي في أواخر القرون الوسطى ، كما يستخدم في علم الاجتماع السياسي للإشارة إلى التأثيرات المتبادلة للتغييرات الجذرية والمفاجئة للظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية .(2)
وتعرفها موسوعة علم الاجتماع بأنها:"التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع ، تلك التغييرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهريا وجوهريا من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وإيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما قد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية .(3)
ويعرف كرين برنتون الثورة في كتابه الموسوم "تشريح الثورة" بقوله "إنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي إلى بنيان اجتماعي آخر"(4).
وعرفها البروفسور "هاري ايكشتاين" في مقدمته عن الحرب الداخلية بأنها "محاولات التغيير بالعنف أو التهديد باستخدامه ضد سياسات في الحكم أو ضد حكام أو ضد منظمة " .
ويراها برنتون أنها تغيير في الحكومة القائمة يتجاوز الحد القانوني ويكون عنيف عادة.
ونجد "بيتر أمان" يقترب من المفهوم اقترابا آخر إذ يرى أنها " انكسار مؤقت أو طويل الأمد لاحتكار الدولة للسلطة يكون مصحوبا بانخفاض الطاعة ".(5)
أما "يوري كرازين" فينظر لها بمنظار الأدبيات الماركسية في تحليل التطور الاجتماعي ويقول "إن معنى الثورة الاجتماعية ووظيفتها لا يمكن فهمها إلا حينما ننظر إلى تاريخ المجتمع على حقيقته كسلسلة متصلة من التشكيلات الاقتصادية – الاجتماعية ، والثورة شكل من أشكال الانتقال من تشكيل إلى آخر ،كما أنها قفزة من التشكيل الاقتصادي والاجتماعي البالي إلى تشكيل أكثر تقدما ، تكون الخاصية المميزة السائدة له ومضمونه السياسي هو انتقال السلطة إلى الطبقات الثورية (6).
إذن كل التعريفات التي حاولت الاقتراب من مفهوم الثورة اتفقت على أنها نوع من التغيير الجذري والعميق يستهدف اكتشاف الأخطاء وبناء علاقات سليمة مكانها، تشيع العدل وتصنع التقدم.(7)
وأما سبب الاختلاف في فهم المصطلح فيكون إما للاختلاف العقائدي أو لتباين التخصص العلمي ، وبعد أن سقنا مجموعة من التعاريف نرى " أن الثورة أداة تطور تاريخي للمجتمعات الإنسانية ، فهي حد فاصل بين النظام القديم والجديد ، تحدث تغييرا جذريا للبناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الثقافي ، ويستهدف هذا التغيير إفراز منظومة تجسد مطالب الثوار وتحققها".
الفرق بين الثورة والانقلاب
لإيضاح المفهوم أكثر علينا توضيح الفرق بين الثورة والانقلاب لان الكثير من النخب المتصارعة والتي تنقلب على بعضها ، تحاول إعطاء الشرعية لحركتها من خلال القول أنها ثورة نابعة من الإرادة الشعبية وتسعى لتحقيقها ، فالانقلاب هو انتقال السلطة من يد فئة قليلة إلى فئة قليلة أخرى تنتمي إلى نفس الفئة الأولى التي كانت تسيطر على الحكم أو على الأقل تشبهها، ويكون باستخدام وسائل العنف الرسمية دون إحداث تغيير في وضع القوة السياسية في المجتمع أو في توزيع عوائد النظام السياسي أي انه تغيير في أوجه حال الحكام دون تغيير في أحوال المحكومين والانقلاب نوع من أنواع التمرد .(8)
وغالبا ما يكون الانقلاب باستيلاء العسكر على السلطة الشرعية بواسطة القوة المسلحة وتغيير نظام الحكم بالقوة دون الرجوع للناخبين والسلطة هنا هي الحكومة.
الفرق بين الثورة والحركة الاجتماعية :
عرفها لورانز فون شتاين في مؤلفه "تاريخ الحركة الاجتماعية في فرنسا من 1789 إلى 1850" بأنها محاولات البروليتاريا اكتساب القوة الاقتصادية و السياسية. (09)
و قال رودولف هيبرل بأن الحركة الاجتماعية تهدف على إحداث تغييرات راديكالية في النظام الاجتماعي العام و بخاصة في مجالات توزيع الثورة و علاقات العمل، و بالتالي فقد وسع المفهوم الذي قدمه شتاين لتشمل حركات الفلاحين و الحركات الوطنية و الفاشية.
كما يمكن تعريفها: ذلك الجهد الموحد و المتصل الذي يقوم به مجموعة من الأفراد لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف المشتركة بين أعضائها و قد يكون معناها أكثر تحديدا ليدل على الجهد الذي يتجه نحو تعديل أو ابدال أو هدم نظام اجتماعي قائم.
أما "بول ويلكنسون" فقد وضع عناصر للحركة الاجتماعية و هي:
1- الحركة الاجتماعية هي حركة جمعية مقصودة لإحداث تغيير في أي اتجاه و باية وسيلة و لا تستبعد الحركات العنيفة غير القانونية و الثورات التي تعدل من بناء المجتمع ، و بناءا على هذا فهي تختلف عن الحركات التاريخية.
2- لابد ان تتضمن حدا ادنى من التنظيم.
3- التزامها بالتغيير يرتكز على الارادة الواعية و الالتزام المعياري بأهداف و معتقدات الحركة.
و أهم الحركات في عالمنا المعاصر نجد الحركة العمالية، الحركة الفلاحية، الحركة الطلابية، الحركة النسائية و الحركة الثقافية. و يرجع الاهتمام لهذه الفئات لما تتبناه من ايديولوجيات و ما لأفرادها و قادتها من نوايا و كذا لضمها لأغلبية الشعوب و المجتمعات.
و تكون الحركة الاجتماعية في بداية نشأتها ضعيفة التنظيم ينقصها التحديد الواضح من حيث الشكل و الاهداف و لكنها لا تلبث أن تأخذ الطابع المنظم من حيث القيادة و تقسيم العمل و القيم و الأهداف كما تكسب كل حركة اجتماعية و هي في طورة النشأة ثقافتها و تنظيمها المميز من غيرها من الحركات الاجتماعية الاخرى. (10)
و كلما نمت الحركة الاجتماعية اكتنسبت شكلا أكثر تنظيما و انطبعت بتقاليد مميزة كما تتميز بقيادات مستقرة و تندرج في الوظائف و تتحدد قيمها و قواعدها الاجتماعية أكثر.
و قد قسمها بلومر إلى:
1- حركات عامة: مثل الحركات العمالية و النسائية
2- حركات خاصة: مثل الحركات المضادة لنظام الرق
3- حركات التعبير مثل الحركة الدينية و حركات تجديد الاساليب و الأنماط في المعيشة و اللباس.. (11)
إن للحركة الاجتماعية أهداف قد تختلف و تتباين فقد يكون هدفها قلب نظام الحكم القائم،أو تحريم الخمر، أو الاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة أو الغاء حكم الاعدام أو إلغاء الأسلحة النووية...
و بما أن الأهداف تختلف من حركة إلى أخرى فإن الامكانيات تختلف أيضا فقد تبدأ من نشر أفكارها و الضغط بوسائل الاعلام و المحاضرات و حتى الدعوة إلى الثورة العنيفة و مهما يكن فإن الدعاية و التبشير هما الميزة الواضحة للحركة الاجتماعية (12) .
تتضمن الحركات الاجتاماعية و السياسية 3 عناصر أساسية تتمنثل في أن للحركات الاجتماعية:
1- تنظيما أو بناءا
2- معتقدات أو مثاليات
3- أفعالا و قوالب سلوكية يقوم بها الناس المنتسبون اليها و هذا هو الشكل الخاص لكل من هذه العناصر التي تشكل الحركات الاجتماعية و السياسية، و تعطيها طابعها الخاص بها.(13)
و للحركات الاجتماعية 3 وظائف حددها عالم الاجتماع الفرنسي "جير وشيه" هي
1- الوساطة بين مجموعة من الناس من جهة و الابنية و الحقائق الاجتماعية من جهة أخر ى
2- توضيح الضمير الجمعي ، و هي حالة الجماعة التي تكشف نفسها أو مصلحتها و أين تكمن هذه المصلحة.
3- الضغط على الشخص الذين بيدهم مقاليد الحكم (14) .
بعد هذا التوضيح نستنتج ان الفرق بين الحركة الاجتماعية والثورة صعب الوضوح ، بسبب التشابه الكبير، وهذا يؤدي بالكثيرين الى المزاوجة بين المفهومين ، فالحركة الاجتماعية تنظيم اجتماعي له هياكله ومؤسساته التنظيمية ويهدف الى تحقيق اهداف بعينها ، ومن وسائل هذه الحركات الثورة والتي يمكن ان تكون وسيلة لتحقيق وتجسيد اهدافها ، لذلك قد نجد في الثورة الواحدة حركات اتماعية مختلفة ومتنوعة الاهداف والاختصاصات ، تشترك في اشعال الثورة .
الفرق بين الثورة والانتفاضة
يجب علينا لفهم الثورة أكثر، القدرة على التمييز بينها وبين المصطلحات المتشابهة ومن بينها الانتفاضة ، فنجد في كتابات علم اجتماع الثورة أن الفرق يكمن في كون الثورة تكون سريعة عكس الانتفاضة التي تمتد لفترة زمنية أطول فثورة 1830 في فرنسا كانت بمثابة انتفاضة ، لأنها امتدت لمدة ثماني عشرة سنة ، وهذا التمييز بين الثورة والانتفاضة لا يتناقض مع ما وصفت به الانتفاضة من حيث كونها وسيلة خاصة للاستحواذ على السلطة بالقوة.(15)
في الأخير نخلص إلى أن: "الثورة حدث مفاجئ يؤدي إلى تغيير راديكالي يقطع الصلة بالماضي ويؤسس لنظام يلبي مطالب الثوار والذين هم الشعب وليست نخب متصارعة في بنية النظام".(16)
II- خصائص الثورة
إن اغلب الثورات تكاد تجتمع على جملة من الخصائص تميز العمل الثوري عن غيره منها.
· الثورة تمثل قطاع أكبر من المجتمع ضد فئة أصغر ، وغالبا ما تكون هذه الأخيرة هي المستحوذة على القوة السياسية والاقتصادية.
· تقوم الثورة على الحلول الجذرية وترفض حلول الإصلاح لأنها في الأصل تغيير راديكالي يقوم ويرتكز على راديكالية المطالب.
· التغيير الناجم عن الثورة يكون سريع ومفاجئ وهو سريع الانتشار بين قطاعات الجماهير.
· إن تغيير الثورة يشمل كذلك نسق القيم والمعتقدات بما يتلائم والمرحلة الجديدة.
· الثورة تمثل عملية تغيير اجتماعي وسياسي.
· الثورة ترتكز على أسس جديدة ومغايرة للنظام القديم لترسيم دعائم بناء جديد على قواعد جديدة.
· من خصائص الثورة أنها تتكرر كما أنها سريعة الانتقال بين المجتمعات وعبر الدول، والتاريخ خير شاهد على موجات المد الثوري في العالم.(17)
III- أسباب الثورة
إن الثورة إفراز لواقع اجتماعي، وهذا الواقع يختلف من مجتمع إلى آخر، لذلك لا يمكن الجزم بأسباب محددة بعينها تتوفر في كل الثورات لان كل ثورة هي وليدة سياق معين لذا تتعدد الأسباب بتعدد الظروف.
فمنذ القديم شغلت الثورة الفلاسفة والمفكرين وبحثوا عن ابرز عواملها، فنجد أرسطو أفرد للثورة الفصل السابع من مؤلفه الشهير "السياسة" حيث يعتقد أن أسباب قيام الثورة تعود إلى عدم المساواة.
كما أن أرسطو يرجع أسباب قيامها إلى عنصر أساسي وهو عدم الرضا عن الوضع القائم وقد اعتبر هذا العلة العامة التي تهيئ النفوس للثورة.(18)
وهناك من يحصر أسباب الثورة في العوامل الاقتصادية ومن ابرز المنادين بهذا نجد سان سيمون وماركس وكل اليساريين، إذ يرى سان سيمون أن التطور التاريخي للجماعات البشرية هو صراع دائم بين الطبقات الاقتصادية في المجتمع بين من يملكون ومن لا يملكون، أما ماركس فيعتقد أن جميع الثورات مهما اختلفت أشكالها ذات طبيعة واحدة، فالثورة حسبه مرحلة طبيعية وحتمية في حياة المجتمعات، ويؤكد ماركس على علاقات الإنتاج والتوزيع والتي تؤدي إلى سلسلة من الثورات تنتهي بثورة البروليتاريا.(19)
وفي نفس الاتجاه نجد لينين ومن بعده دعاة نظرية التخلف، يؤكدون على أن التخلف عامل حاسم للتغيير وبالتالي تصبح الثورة حتمية، حيث أن القهر والسخط الملتهب يمكن أن يخلق جوا ثوريا.(20)
ويرجع هذا التخلف والفقر إلى سيطرة طبقة اوليجاركية على كل مصادر الدخل والرفاهية في المجتمع، وإهمال أو إغفال حاجيات الشعب بغالبية فئاته، وبالتالي يصبح الجو ملائم، لنمو السخط والشقاق الاجتماعي، والذي غالبا ما يواجه من قبل النظام القائم بالقمع، الآمر الذي يؤدي إلى ازدياد السخط بين الثوار.
وما يميز غالبا حكم هذه الاوليجاركية اعتمادها على الآلة القمعية وقمع المطالبات بالتغيير لكن هذه الطبقة تهتز وتتخلخل بفعل الثورات الشعبية الناتجة عن عدم المساواة في التوزيع.(21)
ولا يمكننا حصر الثورة في أسباب اقتصادية فقط فعلماء النفس يؤكدون على أن هناك عوامل نفسية تهيئ الأذهان للثورة مثل وجود الأوضاع الظالمة في المجتمع، إلى جانب إحساس الأفراد بالظلم الواقع عليهم.
إضافة إلى الظلم الاجتماعي الناتج عن استئثار قلة من الناس بخيرات البلاد، ونظام الحكم العبودي الذي يؤدي إلى الكبت والقهر، مما يجعل الشعب يعيش حالة الخوف الدائم ويؤدي به في الأخير إلى الانفجار في وجه هذا الواقع(22)
ولعل الأسباب متعددة وتتقاطع فيها العديد من الثورات وهذا ما أثبتته الثورات المتنامية في الوطن العربي ككرة الثلج بسبب الظلم الواقع على الشعوب، وعقود القهر المتوالية إضافة إلى فشل قيام الدولة الوطنية المرتكزة على المواطنة، و بسبب سيطرة نخبة على مقدرات الشعوب مما ادخلها في موجات من التخلف والفقر زاده الظلم والاستبداد المعتمد على الأجهزة الأمنية، و مما زاد سخط هذه الشعوب ثلاثية الاستبداد: الاستبداد السياسي ، الاستبداد الاجتماعي ، الاستبداد الاقتصادي.
فالاستبداد السياسي معروف على أنه احتكار الحكم ومنع أي مشاركة للشرائح الشعبية والقوى المختلفة من تقاسم السلطة، أما الاستبداد الاجتماعي فهو وليد غياب العدالة الاجتماعية وسيطرة فئة محدودة على المقدرات و إقصاء غالبية البناء الاجتماعي مما يفرز ظلم اجتماعي و أمراض داخل المجتمع نتيجة لهذا الواقع، ويشعر المواطن أن هذا النظام لا يعبر عنه بل على فئة محدودة، و الاستبداد الاقتصادي هو احتكار المقدرات كما أسلفنا، لكن ظهر نمط جديد منه بسبب تزاوج المال والسلطة، أي تحالف رجال الأعمال والسياسيين، مما جعل الدولة والشعب وكل المقدرات في خدمة هذه الفئات و أدى هذا إلى تركز رأس المال والعوائد في عدد محدود وقليل على حساب الغالبية مما يفرز نمو لعوائد رجال الأعمال، وفقر بسبب غياب التنمية وهو نموذج تنموي مشوه.
و من ثم فالأسباب عديدة ومتنوعة، وتختلف باختلاف السياق الزماني والمكاني وبتباين البناء الاجتماعي.
IV- أشكال الثورة
إن أشكال الثورات تختلف وتتنوع تبعا للبيئة التي ظهرت فيها الثورة وتبعا لأهداف وطموح الثوار، وتبعا أيضا لفئة الثوار أنفسهم و إيديولوجيتهم، وسنحاول أن نعرض لمختلف أشكال الثورات.
1- الثورة البرجوازية
تعنى في الأساس بحل التناقض بين القوى الإنتاجية والنظام السياسي الإقطاعي أو شبه الإقطاعي والمهمة التاريخية للثورة البرجوازية هي التخلص من العقبات أمام التطور الرأسمالي، فهي تترك أساس المجتمع البرجوازي دون تغيير، ولا تمس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ونجد من أبرز الثورات البرجوازية حرب الفلاحين في ألمانيا في القرن 16 والثورة اليابانية 1867.(23)
2- الثورة الاشتراكية
ويعبر هذا النوع من الثورة عن التحول الجذري للمجتمع الذي يمر بالانتقال الكامل من الرأسمالية إلى الاشتراكية وتتميز بتحطيم علاقات الإنتاج التي تتسم بالتسلط والقهر، القائمة على الملكية الخاصة وهي تسعى إلى تقويض جهاز الدولة البرجوازية وإقامة دكتاتورية البروليتاريا.(24)
3- الثورة السياسية
وهي تسعى إلى تغيير الفئة الحاكمة دون إن يكون هدفها إحداث تغيير جذري وشامل في الأوضاع الاجتماعية، فالثورات السياسية تشمل على عمليات التغيير المفاجئة والجذرية التي تحدث لأنظمة الحكم والإدارة والتنظيم في المجتمعات والتي يقوم بها الشعوب تحت لواء بعض الجماعات والأفراد لإصلاح الفساد الإداري والقضاء على السلطات الحاكمة المستبدة، التي لا تتسم بالعدالة، وقد تسهم القوات المسلحة في دعم ومساندة هذه الثورات، ويكون لها دور بارز في نجاحها.(25)
4- الثورة الاجتماعية
تعرفها الموسوعة السياسية على أنها تغيير نوعي في الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية للمجتمع عبر انهيار النظام القديم البالي، وصعود نظام اجتماعي جديد أكثر تقدما مكانه عن طريق تفجير الصراع وحسمه لصالح التقدم، وللثورة الاجتماعية أبعادها الشاملة المتكاملة، التي تنعكس على مختلف نواحي النشاط والعلاقات بين البشر بدءا من علاقات الإنتاج والتمركز الاجتماعي والمؤسسات الاجتماعية، وتنزع السلطة من يد طبقة وتحل محلها طبقات ونخب صاعدة.(26)
ويرى سوروكين أن الثورة الاجتماعية تتفجر بفعل مجموعة من العلاقات الاجتماعية، والطبيعة الموضوعية للثورة ولا يمكن تحديدها دون الرجوع إلى النظام الاقتصادي – الاجتماعي للمجتمع. (27)
فالثورة الاجتماعية هدفها إذن إحداث تغيير جذري في البناء الاجتماعي وما يرتبط به من وظائف وعلاقات، وتسعى هذه الثورات دائما إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.(28)
لكن يجب التنويه إلى أن نمط الثورة الاجتماعية لا يتوقف كثيرا على عدد المشتركين الشعبيين بقدر ما يتوقف على التكوين الطبقي والوزن النسبي للطبقات والشرائح المختلفة، وعلى درجة وعيها الاجتماعي والسياسي وعلى العلاقة بينها.(29)
5- الثورة الاقتصادية
يرى سوروكين أن الثورة الاقتصادية تسعى إلى إجراء تغييرات عنيفة في النظام الاقتصادي، و يقصد بها التغيير الجذري في البناء الاقتصادي للمجتمعات والذي يؤدي إلى إعادة توزيع الثروة والملكيات بصورة جديدة بما تضمنه من تغيير للعلاقات والنظم المرتبطة بهذا البناء.(30)
6- الثورة المضادة
وهي تمثل مجموعة العوامل والعوائق التي تقف معارضة للثورة وتسعى لإخمادها، وباعتبار الثورة عملية تغيير فإن هذا التغيير يقابل بعملية مقاومة من النخب المسيطرة الرافضة للتغيير لأن الثورة تقضي على امتيازاتهم، إضافة إلى من يشعرون أن الثورة قد تهدد مصالحهم، إلى جانب أولئك الذين لم تحقق لهم الثورات الأطماع التي كانوا يطمحون إليها، كل هؤلاء ومن يتحالف معهم يكونون ثورة مضادة.(31)
_ V مراحل الثورة
إن أي عملية ثورية باعتبارها تغييرا تمر بعدة مراحل ومستويات لتحقيق الأهداف الثورية، ومن ابرز من كتب عن مراحل الثورة نجد كرين برينتون الذي يرى أن العلامات الدالة على اقتراب الثورة في المجتمع ، لا تكون عادة واضحة ، ولكن تكون هناك ضغوطات ومصاعب متزايدة يؤدي تفاقمها إلى انهيار النظام السياسي ، وعندما تتفكك الشرعية يعمد النظام إلى الوسائل القسرية ، في هذا الوقت تكتسب جماعات لم يكن لها وزن من قبل تكتسب قوة ونفوذا وتأثيرا على الحركة الثورية ، وترفع شعار تحطيم النظام القائم .
1/ المرحلة الأولى : وتتميز بالآمال الطوباوية ، وفيها يلتف الثوريون خلف الشعارات والآمال العريضة ، وهذه المرحلة لا تدوم طويلا .
2/ المرحلة الثانية : وهي مرحلة انقسام النخب الثورية إلى معتدلين ومتطرفين ، وغالبا ما تنتهي هذه المرحلة بهزيمة المعتدلين ، وتركز السلطة في أيدي المتطرفين أو المحافظين ، وقد يستخدم العنف في هذا الصراع البيني .
3/ المرحلة الثالثة : وفي هذه المرحلة وبعد سيطرة قيادة موحدة على الثورة ، تسعى هاته الأخيرة لتحقيق الأهداف الثورية بأي ثمن .
4/ المرحلة الرابعة : تخف في هذه المرحلة حدة المطالب والشعارات الثورية ، وتتراجع الحماسة ، وعادة ما يتولى الحكم فيها رجل قوي يحمل صدى الثورة ، وتعتبر مرحلة حكمه هي المرحلة الخامسة .(32)
لكن يجب التنويه إلى أن هذه المراحل ليست مقدسة ولا واحدة في كل الثورات ، فقد تتقاطع الثورات في بعضها ، وقد تختلف في البعض الآخر لان كل ثورة كما أسلفنا هي وليدة ظرف خاص أدى لظهورها ، وقد تختلف التصنيفات المرحلية للثورات باختلاف نظرة الكاتب وأيديولوجيته وموقعه .
VI _ المداخل المفسرة للثورة
تتعدد المداخل النظرية المفسرة لظاهرة الثورة ، وتتنوع فكل مدخل أو نظرية اقتربت من الثورة من خلال زاوية معينة ، ومن أسباب الاختلاف التفسيري التباين الأيديولوجي واختلاف التخصص العلمي ، فنجد مداخل فرعية ومداخل رئيسية لدراسة الثورات ، وسنحاول العرض لبعضها .
1/ مدخل تحليل التاريخ الطبيعي للثورات الحديثة .
ويحاول هذا المدخل أن يقدم تفسيرا للمراحل المختلفة داخل العملية الثورية ومن ابرز رواد هذا المدخل نجد جورج بيتي وكرين برنتون ، حيث ركزا على دراسة النتائج الرئيسية للأعمال والأفعال التي تحلل مصادر التذمر والعنف .
2/ المدخل النفسي .
ويحاول هذا المدخل أن يبحث عن العوامل النفسية التي تدفع بالشخص لكي يشارك في الحركات الثورية ، ويتزعم هذا المدخل جوستاف لوبون الذي يعرف الثورة على أنها " مجموعة من التحولات الفجائية في المعتقدات والأفكار والمذاهب " ، ويرى جوستاف أن المشاعر والعواطف هي دعائم المعتقدات السياسية والرئيسية .(33)
وهناك من علماء النفس من يرى الثورة تعبير عن سيكولوجية الحشد ويقارنونها مع الارتدادات إلى العقلية البدائية التي يمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي .(34)
3/ التفسير النقدي الارتقائي (المتفائل).
ساد في القرن التاسع عشر بين أحزاب ومفكري اليسار ، وهو لا يزال سائدا في النظرية المادية التاريخية ، وطبقا لهذا التفسير فإن الثورات السياسية والاجتماعية هي أدوات للتقدم الحتمي للبشرية ، وهذا الاتجاه في علم الثورة ينقسم إلى عدة اتجاهات ، فالبعض ضمن هذا التفسير يرى أن المساواتية هي العلامة الأبرز على التقدم ، أما الاتجاه الثاني والذي يعبر عن النظرة اللبرالية ، يرى أن الانتفاضات الجماهيرية لا تكون تقدمية أصلا إلا عندما تكون موجهة ضد الحكام المستبدين ، وهادفة لإقامة حكم حر .
4/ التفسير المحافظ ( التشاؤمي ).
ظهر خلال فترة الثورة الفرنسية وما بعدها ، ومن ابرز مفكريه نجد نيتشة ، وهذا الاتجاه يتقاطع كثيرا مع المدخل النفسي لتحليل الثورة ، ويرى هذا التفسير إن الثورة هي انفجارات شبه بربرية خارجة عن السيطرة وانفعالات جماهيرية مدمرة .
5/ نظرية الحق الطبيعي .
وتجسد هذه النظرية المفهوم البرجوازي للثورة وتعبر عن آراء أنصارها ، فيعتقد دعاة نظرية الحق الطبيعي أن الثورة ضرورية لتوطيد الحرية والإخاء والمساواة ، وكانت النظريات البرجوازية من أول نظريات الثورة في علم الاجتماع ، وتؤكد هذه النظرية أن الأفعال الثورية ضرورية بسبب حقوق طبيعية معينة للإنسان ، وبعض المبادئ لخالدة عن العدالة وليس بسبب الحاجات المادية الناضجة للتقدم الاجتماعي ، وقد انقلب دعاة هذه النظرية فيما بعد على الثورات واعتبرها عارضا غير طبيعي في المجتمعات كما لقيت هذه النظرية نقدا شديدا من سان سيمون و اوغيست كونت وكارل ماركس ، إذ وصفعا الأخير بأنها ليست علمية وأكد على الطابع الحتمي للثورات التي تحدث نتيجة ضرورات اقتصادية. (35)
6/ المذهب الفوضوي .
نجد من ابرز دعاة هذا المذهب كل من برودون و كروبوتكين ، وذهبوا جميعا إلى أن الثورات تحاول تحقيق العدالة بواسطة القوة ، ولكن الذي يحدث فعليا هو أن يحل استبداد محل آخر ، ومع ذلك فان كل ثورة مهما تفككت وأصابها الإفلاس تدخل على المجتمع قدرا معينا من العدالة ومن شأن هذه الانجازات الجزئية أن تفضي في النهاية إلى انتصار العدالة. (36)
7/ البنائية الوظيفية .
كانت النظرية البنائية الوظيفية من ابرز النظريات التي حاولت تفسير ظاهرة الثورة ، وكشف المصادر الموضوعية للتغيير الثوري داخل نسق الظواهر الاجتماعية ومن ابرز دعاتها تالكوت بارسونز الذي يعتبر الثورة انحرافا مرضيا يؤدي إلى خلخلة التوازن في بناء السلطة .(37)
إن لب التناول البنائي الوظيفي هو مفهوم القيم ، فترى البنائية الوظيفية أن النسق الاجتماعي سيواجه صعوبات حين لا تستطيع القيم القائمة تفسير التغييرات في الجوانب البيئية المحيطة ، الأمر الذي يتطلب احتياج البيئة المحيطة إلى قيم جديدة تكون لديها القدرة التفسيرية ، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق التطور أو الثورة .(38)
ويرى روبرت مرتون أن الاختلالات الوظيفية يمكن أن تفضي إلى حالة من عدم الاستقرار ، وان التمرد هو استجابة لهذه الحالة .(39)
والاختلال الوظيفي الذي يتعرض له المجتمع يوجب التعديل أو التغيير ، وإذا قاومت السلطة هذا التغيير فإن التغييرات تكتسب طابعا ثوريا ، وقد لقيت هذه النظرية العديد من الانتقادات من بينها أنها لا تشير إلى مصدر الاختلال الوظيفي ، أو سبب التناقضات الاجتماعية ، ولا تميز بين مظاهر الاختلال الوظيفي وبين التناقضات التي تظهر في أي مجتمع ،سواء تلك التي تؤدي إلى الثورة أم التي لا تؤدي إليها .(40)
8/ المادية التاريخية .
تنطلق المادية التاريخية من التفسير المادي للتاريخ ، وترى بأن التناقض هو سبب التطور ، وتطبيق هذا المذهب يؤدي إلى تفسير سير التاريخ بالتناقض بين مكونات الجانب المادي للمجتمع ، وترى هذه النظرية أن الصراع بين المصالح المختلفة ، والمتعارضة أحيانا داخل النسق السيسيولوجي ضرورة لازمة للتغيير الاجتماعي ، ويعتبر ماركس أن الصراع الطبقي هو الموضوع الرئيسي للتاريخ ولا يمكن أن ينتهي إلا بالثورة .(41)
كما يعتقد ماركس أن القوى الإنتاجية في المجتمع تدخل في مرحلة من تطورها في صراع مع علاقات الملكية ومع الإطار الاجتماعي والسياسي القائم ، وعندما تصبح علاقات الملكية معوقة للإنتاج تحدث أزمة وتبدأ حقبة من الثورات الاجتماعية ولا تستطيع الطبقات الحاكمة ، ولا تريد الطبقات المستغلة أن تعيشا معا في ظل الشروط القائمة ، وهذا التناقض بين الطبقات هو الذي يفضي إلى ثورة عنيفة .(42)
لكن ما يعاب على هذا المدخل التفسيري رغم جهده النظري الذي قدمه لتفسير الثورة ، لتركيزه فقط على الحتمية الثورية الناتجة عن الأسباب الاقتصادية ،وإغفاله بل ونفيه المطلق لباقي الأسباب المؤدية للثورة .
9/ نظرية تعبئة الموارد .
ظهرت نظرية تعبئة الموارد، التي صاغها لأول مرة في شكلها التأليفي الكامل بفضل كل من زالد Zald و مكارثي McCarthy ،و سرعان ما لقيت قبولا واسعا وإجماعا من قبل المجتمع العلمي. بنت هذه النظرية نقدها على أفكار ثلاثة:
-1 لا يمكن اعتبار الفاعل الاجتماعي موضوعا للسيكولوجيا، ذلك أنه يعمل عقلانيا،
- 2 لا تعد واقعية النظرية التقليدية مسألة ملائمة، ذلك أن التحولات الاقتصادية الاجتماعية متجاهلة عند ظهور الفعل الجماعي،
- 3 تعد التنظيمات، على عكس فرضيات نموذج مجتمع الجماهير، المفتاح الذي نفهم من خلاله عمليات التعبئة.يكمن الاختلاف الأساسي بين النظرية التقليدية ونظرية تعبئة الموارد في اعتقاد الأولى، على حسب تصور صاحبها كورنهوزر، إن عماد الفعل الجماعي يعود إلى غياب التنظيمات الوسيطة، في حين تعتقد الثانية أنه على العكس، أن التنظيمات الوسيطة هي عصب الفعل الجماعي. كما شرح كورنهوزر مسألة أن غياب علاقات التضامن التقليدية تم تعويضه من خلال خلق علاقات تضامن أخرى أكثر تطورا أفرزتها المدينة وأدارتها تنظيمات جديدة. هذه الأخيرة هي السبب الأساسي في ظهور التعبئات الاجتماعية التي تعيشها المجتمعات المعاصرة. انتقدت نظرية التعبئة المقاربة السيكولوجية واهتمت أكثر بالمقاربة الاقتصادية التي أصبحت عماد تحاليلها. فهي تعتقد أن الفاعلين الجماعيين أناس عقلانيون ويتصرفون انطلاقا من حسابات دقيقة. يشبه كل من زالد وماكرثي منظمات الحركات الاجتماعية بمديري المؤسسات، حيث يتصرفون في عدد معين من الموارد مثل العمل، الموظفين، التمويل... لذلك فهم يعتمدون في اختيار إستراتيجيات حركتهم على مفهومي الربح والخسارة.كما انتقدت نظرية التعبئة، عبر مساهمات زالد وماكرثي، مفهوم وضعية النظرية التقليدية وشككت في وجود علاقة سببية وثيقة تربط بين التحولات الاقتصادية والاجتماعية وظهور الكبت والحرمان اللذان يؤديان إلى الفعل الجماعي. فهما لا يعتقدان في هذه الآلية السببية، حيث يتجاوزانها الى تصور آخر ينبني على فكرة أن التنظيمات هي التي تخلق الحاجيات المطلبية والاعتراضات المعبئة. يقولان في هذا المعنى: "الاعتراضات و الاستياءات يمكن تحديدها، خلقها والتلاعب بها من قبل المديرين (القادة) و التنظيمات" فالأزمة، على حد اعتقادهم، لا تشكل سببا مباشرا في عمليات التعبئة الاجتماعية، ذلك أنها لا تتجاوز كونها موردا هاما لتنظيمات الحركات الاجتماعية التي تعمل على استغلالها.(43)
-1 لا يمكن اعتبار الفاعل الاجتماعي موضوعا للسيكولوجيا، ذلك أنه يعمل عقلانيا،
- 2 لا تعد واقعية النظرية التقليدية مسألة ملائمة، ذلك أن التحولات الاقتصادية الاجتماعية متجاهلة عند ظهور الفعل الجماعي،
- 3 تعد التنظيمات، على عكس فرضيات نموذج مجتمع الجماهير، المفتاح الذي نفهم من خلاله عمليات التعبئة.يكمن الاختلاف الأساسي بين النظرية التقليدية ونظرية تعبئة الموارد في اعتقاد الأولى، على حسب تصور صاحبها كورنهوزر، إن عماد الفعل الجماعي يعود إلى غياب التنظيمات الوسيطة، في حين تعتقد الثانية أنه على العكس، أن التنظيمات الوسيطة هي عصب الفعل الجماعي. كما شرح كورنهوزر مسألة أن غياب علاقات التضامن التقليدية تم تعويضه من خلال خلق علاقات تضامن أخرى أكثر تطورا أفرزتها المدينة وأدارتها تنظيمات جديدة. هذه الأخيرة هي السبب الأساسي في ظهور التعبئات الاجتماعية التي تعيشها المجتمعات المعاصرة. انتقدت نظرية التعبئة المقاربة السيكولوجية واهتمت أكثر بالمقاربة الاقتصادية التي أصبحت عماد تحاليلها. فهي تعتقد أن الفاعلين الجماعيين أناس عقلانيون ويتصرفون انطلاقا من حسابات دقيقة. يشبه كل من زالد وماكرثي منظمات الحركات الاجتماعية بمديري المؤسسات، حيث يتصرفون في عدد معين من الموارد مثل العمل، الموظفين، التمويل... لذلك فهم يعتمدون في اختيار إستراتيجيات حركتهم على مفهومي الربح والخسارة.كما انتقدت نظرية التعبئة، عبر مساهمات زالد وماكرثي، مفهوم وضعية النظرية التقليدية وشككت في وجود علاقة سببية وثيقة تربط بين التحولات الاقتصادية والاجتماعية وظهور الكبت والحرمان اللذان يؤديان إلى الفعل الجماعي. فهما لا يعتقدان في هذه الآلية السببية، حيث يتجاوزانها الى تصور آخر ينبني على فكرة أن التنظيمات هي التي تخلق الحاجيات المطلبية والاعتراضات المعبئة. يقولان في هذا المعنى: "الاعتراضات و الاستياءات يمكن تحديدها، خلقها والتلاعب بها من قبل المديرين (القادة) و التنظيمات" فالأزمة، على حد اعتقادهم، لا تشكل سببا مباشرا في عمليات التعبئة الاجتماعية، ذلك أنها لا تتجاوز كونها موردا هاما لتنظيمات الحركات الاجتماعية التي تعمل على استغلالها.(43)
وبعد هذا العرض ، نخلص إلى أن الثورة وليدة سياق اجتماعي خاص بكل مجتمع ودولة ، ولا يمكن فهم الثورة إلا من خلاله ، ومهما حاول المنظرون إعطاء قوانين ثابتة للثورات والتنظير لها ، تبقى كل ثورة متفردة عن غيرها من خلال أسبابها وظروفها الخاصة ، لكن يجدر بالذكر أن اجتهادات المفكرين من مختلف التيارات ساهمت وتساهم في فهم الثورة كظاهرة إنسانية .
الهوامش :
1- عبد الوهاب الكيالي ، الموسوعة السياسية . بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، الجزء الأول .1979، ص870.
2- شعبان الطاهر الأسود ، علم الاجتماع السياسي قضايا العنف السياسي والثورة . القاهرة : الدار المصرية اللبنانية .2003،ص 46.
3- نفس المرجع ، ص 47.
4- يوري كرازين ، علم الثورة في النظرية الماركسية ،(ترجمة سمير كرم) . بيروت: دار الطليعة ، ط1،1975. ص31
5- مولود زايد الطيب ، علم الاجتماع السياسي . ليبيا : دار الكتب الوطنية .2007،ص99.
6- يوري كرازين ، المرجع السابق. ص41.
7- شعبان الطاهر الأسود ، المرجع السابق .ص47.
8- نفس المرجع ، ص49.
9- محمد السويدي، علم الاجتماع السياسي ميدانه و قضاياه. الجزائر : ديوان المطبوعات الجامعية .ص129.
10- نفس المرجع ، ص 131.
11- نفس المرجع ، ص 171.
12- نفس المرجع ،ص 132.
13- نفس المرجع ، ص133.
14- نفس المرجع ، ص 135.
15- شعبان الطاهر الأسود ، المرجع السابق ،ص64.
16- فوزية العطية ، علم اجتماع الثورة وخصائص المجتمع الثوري . مجلة كلية الآداب العراقية ، العدد الرابع والعشرين .1979،ص458.
17- مولود زايد الطيب ، ص100.
18- شعبان الطاهر الأسود ، ص50.
19- عبد الوهاب الكيالي ، المرجع السابق .ص 871.
20- إسماعيل علي سعد ، مبادئ علم السياسة دراسة في العلاقة بين علم السياسة والسياسة الاجتماعية .القاهرة : دار المعرفة الجامعية ،ط1، 2004.ص 251.
21- شعبان الطاهر الأسود ، المرجع السابق .ص 51.
22- عبد الوهاب الكيالي ، المرجع السابق .ص873.
23- نفس المرجع ، ص 874.
24- شعبان الطاهر الأسود ، المرجع السابق .ص 54.
25- عبد الوهاب الكيالي ، المرجع السابق .ص 875.
26- يوري كرازين ، المرجع السابق . ص 39.
27- شعبان الطاهر الأسود ، المرجع السابق .ص 51.
28- يوري كرازين ، المرجع السابق . ص 52.
29- شعبان الطاهر الأسود ، المرجع السابق .ص 54.
30- نفس المرجع ، ص55.
31- عبد الوهاب الكيالي ، المرجع السابق .ص875.
32- شعبان الطاهر الأسود ، المرجع السابق .ص 78.
33- عبد الوهاب الكيالي ، المرجع السابق ، ص 870.
34- نفس المرجع ، ص 871.
35- يوري كرازين ،المرجع السابق. ص 09.
36- عبد الوهاب الكيالي ، المرجع السابق .ص 871.
37- فوزية العطية ، المرجع السابق . ص456.
38- شعبان الطاهر الأسود ، المرجع السابق . ص79.
39- يوري كرازين ، المرجع السابق .ص 41.
40- فوزية شعبان ، المرجع السابق . ص 457.
41- شعبان الطاهر الأسود ، المرجع السابق . ص 81.
42- عبد الوهاب الكيالي ، المرجع السابق . ص 871.
43- رياض الصيداوي ، الانتخابات والديمقراطية والعنف في الجزائر . عنوان الوثيقة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.