ضمن سلسلة حوارات لقرن جديد
التي تصدرها دار الفكر بدمشق، صدر كتاب "آفاق فلسفة عربية معاصرة" الذي
يضم بين دفتيه نصين منفصلين. الأول "نحو فلسفة عربية متميزة " للباحث التونسي أبو يعرب المرزوقي ، والثاني
"الفلسفة وآفاقها في الفكر العربي المعاصر" للباحث السوري طيب تزيني، ثم
تلاهما تعقيب كل من المتحاورين على نص الآخر .
ينهض النص الأول على مقدمة
ومقالتين، حيث تتضمن المقالة الأولى فصلين، يبحث أولهما في الشروط التاريخية
والبنيوية التي تحدد أفق التفكير الفلسفي عامة، فيما يبحث الفصل الثاني في مفهوم
الفلسفة وما تقتضيه من شروط تاريخية وبنيوية. كذلك تشمل المقالة الثانية على فصلين،
يستقرئ الفصل الأول منها التجربة الفلسفية العربية بما فيها من سالب وموجب، بينما
يستقرئ الفصل الثاني التجارب التاريخية عامة لحصر المحددات الظرفية.
وينطلق المرزوقي ، في سعيه
إلى تأسيس فلسفة عربية متميزة، من تحديد المقصود بالفلسفة العربية ، ليسحب مفهومه
لها على لحظتين منفصلتين من تاريخ فكرنا : الأولى بدأت في نهايات القرن الثاني
للهجرة ، أي حين بلغت البحوث الكلامية واللغوية مرحلة السؤال الفلسفي ولقائها مع
الفكر اليوناني، وانتهت عند بدايات القرن التاسع للهجرة ، أي امتدت إلى غاية
عصوراستقلال الحضارة العربية الإسلامية، ووقفت عند وفاة ابن خلدون آخر فلاسفة العرب. أما
المرحلة الثانية فتمتد من بداية النهضة في مفتتح القرن التاسع عشر، وما تزال جارية
إلى الآن من غير أن تحقق الوصل من اللحظة الأولى أو تستطيع القيام المستقل، ويرى
المرزوقي أن الفكر الفلسفي العربي الحالي موزع بين حركتين متنافرتين: حركة الإحياء
أو الانبعاث التي تسعى إلى بعث السنن العربية الإسلامية، وحركة الاستنبات التي
تسعى إلى توطين السنن الغربية .
وقد أصبح الصراع بين
التأصيليين والتحديثيين هو قلب المعركة النهضوية ببعديها الحضاري والسياسي، بل
وأكثر من ذلك " أصبحت المعركة السياسية والحضارية بين الأصلانيين والعلمانيين
معركة حية وذاتية للحضارة العربية ، لا تجري في الفكر وحده ، بل في الساحات السياسية
والاجتماعية ، وأحيانا حتى في الساحات الحربية".
ومرد ذلك هو التنافر بين
الأصلاني الذي يرفض الفلسفة الملحدة والعلماني الذي يرفض الفلسفة المؤمنة ، حتى
أضحى الصراع بين الإيمان والإلحاد فلسفيا .
أما نص طيب تيزيني فينهض
على قسمين رئيسيين ، يتناول الأول منهما الفلسفة في سياقها العربي والتاريخي
والسوسيو ثقافي في ثلاثة محاور . حيث يختص المحور الأول بالشرط التاريخي لنشوء
الفكر الفلسفي العربي والإسلامي ، والمحور الثاني يتناول الموقف العربي الراهن من
الفلسفة . بينما يحلل المحور الثالث الموقف الشعبي من الفلسفة والمتفلسفين وآفاقه
في الفكر العربي المعاصر سواء في المؤسسات الجامعية المتخصصة أم في الحياة الفكرية
والثقافية العامة . ويتضمن هذا القسم فصلين ، يبحث الأول منهما في شروط إنتاج
فلسفي عربي راهن ، فيما يتصدى الثاني لمهمة رصد معالم الإنتاج المذكور ومهماته
وموضوعاته واحتمالات نموه وازدهاره.
وينطلق تزيني في بحثه من
تساؤل مركب ومعقد كذلك . هو : لماذا بدت الفلسفة في التاريخ العربي والإسلامي ،
كما في مراحل أخرى لاحقة من التاريخ العربي ، وكأنها تحمل وشم شبهة ما ؟
وعليه ينهض تزيني بمهمة
البحث عن العوامل الخصوصية التي كمنت وراء ذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.