هذا الكتاب ليس إلا مدخلاً متواضعاً
وبدائياً إلى ظاهرة خطيرة حصلت في أوروبا الغربية، وفيها وحدها، ألا وهي ظاهرة
التنوير. إنه يحاول الكشف عن الجذور الأولى لهذه الظاهرة، وكيف انبثقت لأول مرة في
إيطاليا، وهولندا وانجلترا... إنه يكشف عن الفرق بين ثلاث مراحل أساسية في تاريخ
الفكر الأوروبي: العصور الوسطى، ثم عصر النهضة، فعصر التنوير بالمعنى الحرفي
للكلمة. فالنهضة كانت تنويراً، ولكنها لم تُشكّل قطيعة إبستمولوجية كاملة مع
العصور الوسطى. كانت مرحلة انتقالية مترجرجة، على الرغم من جرأة مفكريها وعظمة
إنجازاتها. وحده القرن الثامن عشر، أي عصر التنوير الكبير، استطاع أن يُحقق هذه
القطيعة الكبرى التي لا تكاد تُصدق، والتي لا تزال تدهشنا حتى اليوم.
فكيف حصلت هذه القطيعة الكبرى في تاريخ
الفكر، ومعها الاستقلالية الكاملة للعقل بالقياس إلى النقل، وللفلسفة بالقياس إلى
الدين؟ من هم أبطالها؟ كيف كانت سيرورتها، أي كيف تمّ الانتقال من الفهم القروسطي
أو حتى الظلامي للدين إلى الفهم العقلاني المستنير للدين نفسه؟ هذه هي بعض الأسئلة
التي يحاول هذا الكتاب طرحها إن لم يكن الإجابة عليها...
ومن خلال المقارنة بين الماضي والحاضر،
بين التنوير الأوروبي التحقق والتنوير العربي-الإسلامي الذي قد يتحقق، يحاول هذا
الكتاب أن يشق طريقه ويؤسس لما يُمكن أن ندعوه بـ"علم الأصوليات المقارن".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.