يقول
ميشال الحايك في مقدّمة كتابه "المسيح في الإسلام" بأنّه ومنذ يوحنّا
الدمشقي المتوفّى في منتصف الجيل الثامن إلى يومنا الحاضر تتوالى كتابات المسيحيّين
عن المسيحيّة والإسلام. فكان في الشرق والغرب خاصّة، أمس واليوم، رجال اهتمّوا
بالأمر، فاختلفت آثارهم على اختلاف أطوارهم وأوطانهم ونزعاتهم، فانقسموا قسمين:
واحد يدافع عن الإسلام دفاعاً مغرضاً إمّا لإلحادهم واعتقادهم بأنّ الديانات نتيجة
النشوء الاجتماعي، فلا فرق بينها، وأمّا اللطف غير المباشر بالمسيحيّة التي عنها
مرقوا. ويضيف قائلاً بأنّ القسم الأكبر قد سقطوا في النقيض الثاني حين وصفوا
الإسلام بأنّه بدعة ورسموا للنبيّ صورة مجحفة فأصبح أسطورة تناقلتها في الأجيال
الوسطى ألسنة العامّة وكتابات الخاصّة. وبالمقابل يرى ميشال الحايك بأنّ المسلمين
لم يتخلّفوا عن المسيحيّين في هذا المضمار فصوّروا عن النصارى أشنع صورة، إلاّ أنّ
قليلون هم الذين كانوا من بين المؤلّفين مؤمنين عن غير تعسّف، بارزين بالعلم عن
غير هوس، ويذكر بأنّه لا بدّ من الاعتراف بأنّ الموضوع هذا شائك وأنّ خطر الهوى
الأعمى يترقّب كلّ معالج لهذه القضايا التي تلاقي لدى الكثير من المسيحيّين
والمسلمين حساسيّة متوقّدة تجعل من كلّ بحث مثل هذا ضرباً من المغامرة بالسمعة
والمجازفة بالذات.
ولكنّ الأمر أجلّ من أن تقف هذه الاعتبارات الشخصيّة حاجزاً دونه.
ولكي لا ترتفع من هنا وهناك أصوات التناقض والشكوى فضّل ميشال الحايك قبل إقدامه
على عرض ما توصّل إليه من استنتاجات علميّة في كتابه هذا المباشرة في عرض النصوص
الآنفة الذكر ذاتها، فيضعها بين يدي القارئ مع ذكر مصادرها القريبة والبعيدة كلّما
أمكنه ذلك. مفرداً فصلاً خاصّاً لآيات القرآن الكريم التي جاء في سياقها ذكر
للمسيح عليه السلام. وأما النّصوص فمختلفة قيمتها حسب أهميّة كاتبها ووزنه ومدى
تأثيرها في العالم الإسلامي، وأهمّها الأحاديث التي أجمع على صحّتها المسلمون
فأقاموا لها وزناً خاصاً بجانب القرآن ودوّنها الجامعون في كتب الحديث من صحيح
ومسند وسنن للبخاري ومسلم وابن ماجه وأبي داود الطيالسي والنسائي والترمذي. ويلتقي
بهم ابن حنبل والهندي والقرطبي. أما ما تبقّى من المؤلفين، مؤرّخين أو مفسّرين أو
صوفيّين، فقيمة كتاباتهم ترتكز على قيمتهم الفرديّة ومدى فعاليّتهم في تفكير
المسلمين. فليس السمرقندي كالغزالي وابن العربي، من بين الصوفيّة، وليس الكسائي
كالطبري وابن خلدون في معرفة التاريخ.
وهذه النصوص التي جمعها ميشال الحايك بين دفّتي هذا الكتاب، شاء أن
يضعها في متناول المسيحيّين ليعلموا عن الإسلام غير ما تنشره الجرائد في مواسم معيّنة
تعليلاً لقارئيها بأنّ بين الديانتين اتفاقاً ووحدة تامّة، مؤكّداً على أنّ هنالك
فرضاً قاطعاً على عنق المسيحيّين وهو أن يُقبلوا على تفهّم الدين الإسلامي بإخلاص
لمعتقد الغير وانفتاح على ما بينه وبين المسيحية من قُربي، وأن يُقبلوا بعد ذاك
على إظهار حقيقة دينهم لإخوانهم المسلمين بلغة عربيّة مُبِينة، فيتكوّن من ذلك أدب
مسيحي عربي يجني منه كلّ واحد، مهما كانت عقيدته، ثمار الخير والوفاق، وأنّهم دون
شك واجدون عقائد وتقاليد ثابتة تؤمّن للجميع ثروة الأخوّة التي لا تعادلها غنائم
الخصومات مهما عظمت (نبذة النيل والفرات).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.