يجمع
الناس قاطبة على أنّ ما يعرفونه أو يحسّون فيه وما يستشعرونه لا يتجلّى إلاّ من
خلال اللغة، ولكنّ الشيء الهامّ هو أن نكتشف سرّ الأشياء من خلال إكتشاف أسرار
اللغة وبها نكتشف كلّ الأشياء وكلّ الوجود.
يقول الكاتب: "فأنت لن تعرف شيئاً
على أتمّ صورة إلاّ من خلال معرفتك لنفسك، وليكن هو من أيّ زاوية في الكون إبتداءً
بأعضاء جسمك وإنتهاءً بأبعد خصائص حركة الكواكب ونظام الفلك، لكن ثق بأنّك لن تبلغ
في معرفتك لنفسك مبلغاً بعيداً... إلاّ إذا خرجت بمعرفتك للّغة من طور الحقيقة
الذاتيّة إلى طور الحقيقة العلميّة بوصفها ظاهرة لها كلّ مميّزات الوجود الموضوعي
الذي لا ينغلق منه شيء على سؤال العقل... ثق أنّ المعرفة العلميّة للكلام البشري
هو المفتاح الذهبي لكلّ أصناف المعارف بلا استثناء. من هنا تأتي أهميّة علم
اللسانيّات لما لها من فضل السبق في المخاض الفكري والثقافي والمعرفي الواسع فقد
غدت جسراً أمام بقيّة العلوم الإنسانيّة يعتليه الجميع بقصد إكتساب القدر الأقصى
من الموضوعيّة والصراحة".
وهذا ما يؤكّده الفيلسوف الإناسي "كلود ليفي
ستروس" حين نشر سنة 1958 مصنفّه "الإناسة البنيويّة" بقوله:
"تحتلّ اللسانيّات بين كلّ العلوم الإجتماعيّة التي هي منتمية إليها دون أيّ
مجادلة منزلة إستثنائيّة، فاللسانيّات ليست علماً إجتماعيّاً مثل سائر العلوم ولكنّها
العلم الإجتماعي الذي أنجز أعظم ضروب التقدّم بما لا نظير له، وهي وحدها قادرة
اليوم أن تدّعي بجدارة صفة العلم لأنّها الوحيدة التي توصّلت إلى صياغة منهج
إيجابي به تكشف طبيعة ما تتناوله بالدّرس.
ويؤكّد الفكرة عينها الدكتور عبد السلام
المسدّي في كتابه هذا حيث يقول: "إنّ اللسانيّات تأصيل المناهج وتنظير طرق
إخصابها فحسب لكن أيضاً من حيث أنّها تعكف على دراسة اللّسان فتتّخذ اللّغة مادّة
لها وموضوعاً... يضمّ هذا الكتاب أربعة مقدّمات وعشرة فصول نذكرها لأهميّتها.
مقدّمات
وهي أربع: اللّغة والمعرفة العلميّة، اللسانيّات وفلسفة المعرفة، المعرفة اللغويّة
والتراث الإنساني، اللسانيّات والتراث العربي. الفصل الأول: في خطاب العلم،
المعرفة الموضوعة واللغة المحمولة. الفصل الثاني: في العلوم ومصطلحاتها، اللّغة
وآليّة المعرفة. الفصل الثالث: في التوليد اللّغوي، خصائص اللّسان العربي. الفصل
الرابع: في علم المصطلح، قانون التجريد الإصطلاحي. الفصل الخامس: في موضوع العلم،
حدّ اللّغة بين المعيار والإستعمال. الفصل السادس: في بنية العلم، الأنساق الدلاليّة.
الفصل السابع: في حدّ العلم: مقوّمات الحدث اللّغوي. الفصل الثامن: في مادّة
العلم، مراتب الظّاهرة اللغويّة. الفصل التاسع: في منهج العلم، من الزمانيّة إلى
الآنيّة. الفصل العاشر: في توظيف العلم، اللسانيّات وتعليم اللّغات.
وأخيراً خاتمة
يحضّ فيها المؤلّف على وجوب توفير الثقافة اللسانيّة في جامعتنا العربيّة ومؤسّساتنا
العلميّة. أي أن تتحوّل هذه الظاهرة العلميّة إلى معطى ثقافي وواقع معرفي يتقاسمه
المتطلّعون فكريّاً مهمّا تباينت شرائح الإنتماء لديهم إختصاصاً وثقافة.
كلمة السرّ لتحميل الكتاب: أبو جهاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.