"... فإنّا معشر المسلمين نعلم على القطع أنّه لا يؤدّي النظر
البرهاني (ويقصد به استنباط المجهول من المعلوم) إلى مخالفة ما ورد به الشرع، فإنّ
الحقّ لا يضادّ الحقّ بل يوافقه ويشهد له، فإن أدّى النظر البرهاني إلى نحو ما من
المعرفة بموجود ما فلا يخلو ذلك الموجود أن يكون قد سكت عنه فى الشرع أو عرف به.
فإن كان ممّا سكت عنه فلا تعارض هناك؛ وهو بمنزلة ما سكت عنه من الأحكام فاستنبطها
الفقيه بالقياس من الشريعة وإن كانت الشريعة قد نطقت به فلا يخلو ظاهر النطق أن
يكون موافقاً لما أدّى إليه البرهان فيه أو مخالفاً. فإن كان موافقاً فلا قول هناك،
وإن كان مخالفاً طُلب هناك تأويله. ومعنى التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة
الحقيقيّة إلى الدلالة المجازيّة من غير أن يخلّ ذلك بعادة لسان العرب فى التجوّز
من تسمية الشىء بشَبَهِه أو سببه أو لاحقه أو مقارنه أو غير ذلك من الأشياء التى
عوّدت فى تعريف أصناف الكلام المجازي، فإن قال قائلٌ إنّ في الشّرع أشياء قد أجمع
المسلمون على حملها على ظواهرها وأشياء على تأويلها وأشياء اختلفوا فيها، فهل يجوز
أن يؤدّي البرهان إلى تأويل ما أجمعوا على ظاهره أو ظاهر ما أجمعوا على تأويله ؟
قُلنا : أمّا لو ثبت بالإجماع بطريق يقيني لم يصحّ، وإن كان الإجماع فيها ظنيّا فقد
يصحّ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.