03 ديسمبر 2011

الأزمة الفكريّة والحضاريّة في الواقع العربي الراهن... محمّد أبو القاسم حاج حمد


هناك أزمة فكريّة وحضاريّة في الواقع العربي الراهن، ولا يستهدف الباحث من خلال كتابه هذا توصيف هذه الأزمة في شموليّتها أو تحليل عناصرها ومكوّناتها فقد أفاضت في ذلك بحوث عديدة مختلفة المناهج زوّدتنا بقراءات نقديّة للواقع في كلّ جوانبه الاجتماعيّة والعقليّة والسياسيّة والسلوكيّة، وأكاد أقول أنّ ما لدينا من تأطير نقدي لبنية الواقع قد وصل في مستواه المعرفي إلى حدود يمكن أن تُؤسّس عليها مناهج الخروج من الواقع المأزوم باتّجاه التغيير... وعلى طريق الخروج من الأزمة هناك محاولات الصحوة الإسلاميّة المعاصرة، والتي تندفع بقوة لتملأ فراغاً عجزت منظومة القيم العلمانيّة الوضعيّة، بأشكالها الليبراليّة والشموليّة عن ملئه. والحركات الإسلاميّة إذ تتقدّم واثقة بنفسها وخطوها لتملأ هذا الفراغ فإنّها خلافاً لغيرها تستند إلى مشروعيّة دينيّة وتاريخيّة وثقافيّة لم تتحوّل إلى تراث، فهي مشروعيّة حيّة في أحشاء الواقع ويكفي فقط أن تُستدعى لتمارس الفعل والتأثير. غير أنّ ثمّة فرقاً كبيراً بين أن يتمّ هذا الاستدعاء بمنطق سكوني لا يرى في الواقع سوى أشكاله الهيكليّة التي استقرّت صورها في ذهنه كترسيمات ثابتة للمجتمع وأفكاره، وبين أن يتمّ هذا الاستدعاء بمنطق تحليلي ينفذ إلى داخل هذه الهياكل ليرى مقدار ما يصيبها من تحولات في بنيتها الداخليّة، وهي تحولات ترتبط بقوانين التفاعل الإنساني مع متغيّرات الزمان والمكان، أي مبادئ الحركة والصيرورة وبتداخل المحلّي مع العالمي في سياق جدلّي لا يعرف التوقّف والانقطاع. لذلك ارتبطت هذه المعالجة لدى الباحث في هذه الدّراسة بالتعرّف على ذلك النمط من الأفكار الذي يحاول فهم قوانين الحركة والاتجّاه في الواقع، سواء تمّ هذا الفهم بمنطق (خلدوني) كما حاول الدكتور محمد جابر الأنصاري، أو باكتشاف النسق الحضاري والماورائيّات الفكريّة المكوّنة له كما حاول الدكتور سيد دسوقي حسن، لكسر ما أسماه هو والدكتور محمود محمد سفر (طوق الاستبسال الدائري) أو كسر متاهة الحلقة المفرغة. هذا وقد قادت محاورة الباحث لفكر الدكتور سيد دسوقي حسن بالضرورة إلى التعرّف على تحديداته لخلفيّات التأسيس الفكري الكامن في ماورائيّة التمثلات للوجود وعالم التصوّرات، وكذلك مناقشته لمعايير التفاعل القياسي في تحديد الخطّ الحضاري للعلاقة مع الزمن والأشياء وصولاً إلى مناقشته لمفهومه لكيفيّة الخروج من الأزمة، ليطرح من ثمّ الأزمة في إطارها العالمي ومنعكسات العالميّة عليها آخذاً بفحوى المساجلات بين الليبراليّة التعدّدية كما طرحها الكاتب الكويتي خليل علي حيدر وتيّارات الصحوة الدينيّة، باعتبار المساجلات لحظة تعارضيّة بين نسقين: أحدهما وضعي انتقائي وآخر سكوني مثالي. ليعيد من ثمّ النظر إلى الصحوة من خلال منطق الدكتور طه جابر العلواني الذي يتعلّق فكره بتطوّرات العلاقة بين الأنا والغير في إطار عالميّة تتطلّب رؤية منهجيّة ومعرفيّة جديدة، موضّحاً في هذا الإطار خصائص الأزمة الحضاريّة العالميّة ومدى انعكاسها على مفاهيم الأزمة في الواقع العربي. ومن ثمّ تمّ التطرّق لحركات شباب الصحوة ومؤثّرات سيّد قطب، وكذلك أزمة المثقّفين العرب التحليليّين. وبعد ذلك كان لا بدّ للباحث من تحليل مفهوم الشموليّة الإسلاميّة ليصار من ثمّ إلى الانطلاق إلى إسقاطات المعرفيّين العلميّين على الواقع العربي الإسلامي، ليحدّد بعد ذلك منهجيّة القرآن المعرفيّة وتفصيل جدليّة التاريخ العربي بمكوّناته الحضاريّة والثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة للوصول إلى الكشف عن ثغرات المناهج الوضعيّة في التحليل وفهم الظاهرات التي تتبدّى فيها بوضوح تامّ علاقة الغيب بالواقع. وأخيراً توصّل الباحث إلى الكشف عن معالم الأزمة وسعى من ثمّ وبعد التحليل إلى التركيب، تحديداً لمنطلقات الخروج من الأزمة، وتحديداً لمعارج الخروج.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.