09 مارس 2012

صورة العلم التونسي، وتعليقٌ عليها




التعليق ـ لـ


هكذا بدت لي الصّورة                           
أجد الصورة قويّة...ولنا أن نعُدّها من "صور الثورة" وصور الثورة قليلٌ رغم أنّ عدد الصور الملتقطة بعدد الحصى...فما أكثر ما يلتقط منها وما أقلّ ما يبقى...يذهب أغلبها جفاء ويمكث ما يأسر النّظر ويصيب ما في السُّوَيدْاء..السؤال عن سرّ خلود صورة دون أخواتها من الصّور سؤال جماليّ.ولا مطمع في الظفر بإجابة مريحة.غير أنّ بعض الصّور محظوظة لتكثيفها المعاني المشتركة الغزيرة في المساحة الضوئيّة الحسيرة...وأرى للصّورة،إذا اجتهدنا في تخليصها ممّا علق بها من أدران رياء الوطنيّة المتأخّرة.و صرامة المنوال الحقوقي،جلالاً ...والمتقابلان في الصورة ليسا السلفي والعلماني..إنّهما "السلفي الأخير" بعبارة الصديق لزهر و"بنت الدّولة".وقد قيل إنّ هذه الفتاة لم تُعرف بانتماء فكريّ أو سياسي.ولعلّ هذا ما حرّر فعلها وكانت استجابتُها أقربَ إلى الرّوح العامّ..ولولا دخول بعض الأصوات المنتَحَلة لبقيت "حادثة إنزال العلم" ،على شططها،عند حدودها القانونيّة.
يبدو في العُدْوَة العليا وتبدو في العُدْوَة الدنيا.والحضور أسفل منهما:ركح وجمهور.ولو كانا اتفقا في الميعاد لاختلفا.ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا...تَوَاجَهَا...ولا أظنّ الأصوات إلاّ قد خفتتْ وبلغتِ القلوبُ الحناجر...تواجها وبدت متفرّسة في وجهه تكلّمه وسبّباتها متجّهة نحوه مُدينةً..وبدا غاضّا بصره حياء لثقافته الدينيّة أو لإحساسه بدونيّة ما يأتيه.وأعلى منهما الرّايتان: راية الوطن الملفوفة وراية نِحلته المنشورة على عجل فهي لا تنطلق.ولا شكّ عنده في أنّها راية العقاب.هو مُجلَّلٌ بالسواد كرايته.في حين 
كان معطفها رصاصا يهفو إلى حمرة العلم.وتتواجه الرّايتان خلفهما،وما كان لتتواجها.تقابلا وتناظرا.. ويُلمح،من وراء المناظرة، تواصل يعسر أن يكون مقدّمة إلى عنف يأتيه أحدهما.وقد نسبته الأصوات المنتحلة إليه.وقيل إنّها نفته.فمن يكون المتواجهان؟
إنّهما من هذا الشعب،ولعلّهما يُجملان ما نحن فيه من "حال انتقالي" شامل.ويلخّصان ما مرّ بهذا البلد من تجارب تراوحت بين التحديث القسري والاستبداد المنهجي. وسياسات التفقير نتيجة مناويل تنمويّة تابعة.وانتهاء بثقافة مافياويّة بلغ بفضلها الفساد درجةً لا تخطر على بال.فتضافر عنف النّظام المادّي وعنف الفضائيّات التكفيريّة الرّمزي لتكون النتيجة ما نشهد.وإذا أصررنا على أنّ الحال سويّ لا يعكّره إلاّ "السلفي الأخير" أو من يُتّهم بالتواطؤ معه نكون قد أضعنا فرصة منحتنا إيّاها الانتخابات التاريخيّة وتذكّر بها هذه الصورة كي نقترب من المشهد في ذاته.
غير أنّ الصورة مثّلت عزاءً لمن خسر الرّهان على قاعدة الديمقراطيّة والاختيار الحرّ يوم 23 أكتوبر مع نظرائه الفعليّين،فشقي في البحث عن أرضيّة أخرى "غير مدنيّة" لعلّه يحقّق فيها بعض المكاسب بالعودة إلى مربّعات نسختها حركة تحقيق الأهداف ،وإلاّ لِمَ هذه الهستيريا الإعلاميّة ودقّ طبول الحرب الأهليّة مع كلّ "حدث" وإنّه لمن المفارقات أن تكون الضجّة الإعلاميّة حول عبارة "الخلافة السادسة" وقد قادتها القناة الأولى فضائيّا وجريدة المغرب صحفيّا بحجم الضجّة حول حادثة منّوبة.
للصّورة أختها،وتبدو لها مكمّلة وتالية في الزّمن فقد كان وصل بين الفتى والفتاة بعد فصل...وكان الوصل بأن وضعت الفتاة يدها على يد "السلفي الأخير" قد تكون لمنعه ولكنّ وقوفه قبالتها ووجود الرّايتين خلفه يضعف احتمال المنع.ولعلّ وضع اليد جاء ضمن إشارة تعضد العبارة لحظة الاحتجاج.
قوّة الصورة وانشغال النّاس بالحادثة،حقّا وباطلا، وما سيكون من تداعيات المتابعة العدليّة يجعل من "المواجهة " هذه لحظة فارقة في حياة كلّ منهما..فقد يجتمعان.وأمّا من ألِف ركوب اللحظات القويّة بعد انقضائها فلن يكون له ممّا حَدّثَ به النّفس وفشل في نيْله إلاّ الخيبة وسوء السمعة.وقد شاهدنا في المجلس التأسيسي من نسبتْ الفضل إلى غير أهله،إلى شخص منتحل تمّ التشديد على انتمائه إلى منظّمة طلاّبيّة تبدو في حاجة إلى مثل هذا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.