10 فبراير 2015

من أجل مقاربة نفسيّة اجتماعيّة للظّاهرة السلفيّة في تونس... د. محمّد الحاج سالم


من أجل مقاربة نفسيّة اجتماعيّة للظّاهرة السلفيّة في تونس
د. محمّد الحاج سالم


تقديـــم
ينطلق هذا البحث حول الظاهرة السلفيّة من المقارنة بين الظاهرة في عمومها كما استقرّت في الأدبيّات الدينيّة والسياسيّة المعاصرة، وبين وظاهرة النِّحْلَة (secte) التي عرفتها أوروبّا بالخصوص. وهي تعتمد مقاربة نفسيّة اجتماعيّة مرتكزة بالخصوص على تقنيات البحث الاجتماعي، إلاّ أنّ محدوديّة تطبيق تلك التقنيات ميدانيّاً نظراً لتشعبّها والمخاطر المحيطة بكلّ اتّصال بالفاعلين فيها (الشكّ والريبة، التقيّة، الخ) فقد اتّجهنا إلى اعتماد المنهج الوصفي الاستقرائي من مقابلات مع بعض قيادات التيّار السلفي الجهادي([1])، وبعض الأتباع الناشطين بمنطقة دوّار هيشر الشعبيّة بولاية منّوبة ومعايشتهم في بعض مساجدها (مسجد النور، مسجد بني هاشم، مسجد أبي بكر الصدّيق) والتعرّف إلى أدبيّات التيّار المنشورة على الانترنت ومحاورة بعض رموزهم في تونس على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويُوجد على الأقلّ تبريرات ثلاثة لعقد مثل هذا المقارنة:
الأوّل: أنّ المصطلح في معظم اللغات الأوروبيّة (secte في الفرنسيّة، szekta في المجريّة، secta في الإسبانيّة، Sekte في الألمانيّة، الخ) مقتبس من اللفظ اللاتيني sequi بمعنى اتّبع، والسلفيّة لغويّاً من اتّباع السَّلَف أي اتّباع الإنسان «مَنْ تَقَدَّمَهُ بِالمَوْتِ مِنْ آبَائِهِ وَذَوِي قَرَابَتِهِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الصَّدْرُ الأَوَّلُ مِنَ التَّابِعِينَ: السَّلَفُ الصَّالِحُ» ([2]).
الثاني: أنّ ظاهرة النِّحْلَة كانت مدار بحوث عميقة من وجهة نظر العلوم الإنسانيّة في الغرب، وهو ما لم يتوفّر عندنا بعدُ بخصوص ظاهرة  السلفيّة التي غالباً ما تُدرس من وجهة نظر عقائديّة دينيّة أو إيديولوجيّة سياسيّة. 
الثالث: أنّ التراث العربي الإسلامي غنيّ بأدبيّات النِّحل منذ زمن النبيّ محمّد عليه السلام نفسه، إذ اتّهمه قومه بأنّه كان على نِحْلَة الصابئة. ولم تُعرّف النِّحْلَة في تراثنا عموماً إلاّ بالسّلب مقابل الملّة والدين، مع إطلاقها أحياناً تجوّزاً على الدين نفسه أو العقيدة الدينيّة. وفي هذه الحالة، تُخصًّص بالنِّسْبَة والدعوى الباطلة حسب المتعارف عليه عند العلماء المسلمين في دراسة الأديان والمذاهب والمقالات، ويتمّ عطفها على الديانات والمذاهب الباطلة على ما نجد عند ابن حزم الأندلسي([3])، حيث عطف الأهواء على النِّحَل، أو كما يظهر جليّاً عند الشهرستاني في كتابه الذي قسمه إلى قسمين، قسم لـ«أهل الديانات والملل مثل اليهود والنصارى»، وقسم لـ«أهل الأهواء والنِّحَل مثل الفلاسفة والدهريّة وعبدة الكواكب والبراهمة وغيرهم»([4]). ومن هنا، غدت النِّحَل في الاصطلاح الإسلامي تعني العقائد والآراء الباطلة التي ليس لها حقيقة وتنتسبها فرقة من الفرق)[5](. فيكون تعريف النِّحْلَة اصطلاحاً: الأهواء والآراء والمعتقدات التي تنتحلها جماعة ليس لها دين كالفلاسفة والدهريّة([6]).
ولئن كانت الظّاهرة قديمة قدم الشعوب التي عرفتها منطقتنا عبر التاريخ، إلاّ أنّ الخصوصيّة الغربيّة تتمثّل في أنّ أغلب النِّحَل في العالم غير الإسلامي تطالب بالاعتراف بها ككنيسة، وهذا ما عقّد المسألة حتّى في سياقها الغربي خاصّة في غياب تعريفات دقيقة للنِّحلة خارج مجال علم اللاهوت المسيحي. ويبدو هذا الخلط نتاجاً لتاريخ علم اجتماع النِّحَل، وهو علم غربي بامتياز لا مثيل له في تاريخ الفكر العربي الإسلامي عدا تلك الشذرات المتفرّقة في كتب الملل والنِّحَل على ما أسلفنا، وذلك منذ أن عرّف ماكس فيبر النِّحْلَة في تعارض مع الكنيسة، ليحذو حذوه آخرون أمثال ارنست تروتلش (Ernst Troeltsch)([7]) ورينهولد نايبوهر (Reinhold Niebuhr)([8]). وإذا كان الإسلام السنّي بصفة خاصّة خلوّاً من كلّ تنظيم كنسيّ، إلاّ أنّ وجود ما اصطلح عليه بـ«الإسلام الرسمي» ممثّلاً في مؤسّسات دينيّة مثل الزيتونة في تونس والأزهر في مصر أو وزارات الأوقاف والشؤون الدينيّة وما يتبعها من مؤسّسات تعليميّة أو وقفيّة، يجعل وضع التنظيمات السلفيّة في تعارض مع تلك المؤسّسات «الرسميّة» أمراً مبرّراً حتّى وإن كان في حدود نظريّة محضة وضيّقة، مع الوعي بوجود خطر يكمن في تشوّش الرؤية إذا ما رُبطت الظاهرة بالدّين حصراً دون اعتبار السياقات التاريخيّة والاجتماعيّة والنفسيّة والاقتصاديّة التي ولدت فيها والأرحام التأويليّة الثقافيّة التي تكسبها زخمها ومعناها وتحدّد بالتالي ملامحها. فإذا تجاوزنا هذا التحديد الضيّق، فقد تمكّن هذه الرؤية من توضيح بعض ملامح الظاهرة بوصفها على هامش «الرسمي» و«الشكلي» و«الثابت» أكان ديناً أو اقتصاداً أو اجتماعاً.
فإن كان الدين ظاهرة اجتماعيّة كلّية، بمعنى تضمنّه جملة أبعاد هي في آن اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وجماليّة واعتقاديّة وتشريعيّة ونفسيّة، وبالأخصّ أبعاداً روحيّة، فإنّ النِّحْلَة – وإن اتّصفت بنفس ملامح الدين - تمثّل على العكس من ذلك ظاهرة طارئة على الجسم الاجتماعي، إذ تبقى دوماً على مستوى ميكرواجتماعي، أي منحصرة في حيّز اجتماعي محدود بالجماعة التي تعبّر عنها. وإذا ما كان بمقدورنا نعت بعض الجماعات الدينيّة بأنّها نِحَلٌ، رغم تطابق أفكارها مع أدبيّات الإسلام الرسمي، فإنّ ذلك لا يمنع تحليل بنيتها ونمط اشتغالها منذ أن قرّرت الانفصال فكريّاً وتنظيميّاً عن كلّ مؤسّسة دينيّة سابقة عليها، وهذا رغم المخاطر الإبستيمولوجيّة التي نحصرها مبدئيّاً في اتّصال النِّحْلَة بالدّين من حيث وحدة المبدأ من جهة، والانفصال عنه بنيويّاً ووظيفيّاً وإيديولوجيّاً من جهة أخرى.
وبالطّبع، فإنّ بروز الجماعات السلفيّة في بعض الأحياء الشعبيّة على تخوم المراكز الحضريّة في المدن أو في المدن الصغيرة عموماً يوحي بأنّ من أسباب ذلك التحضّر المتسارع وحتّى الهامشي. فالتحضّر الهامشي هو ما يمكّن من فهم التشابك الملاحظ بين البعد العقدي الإيديولوجي في الظاهرة والبعد العشائري، فالانتماء إلى جماعة سلفيّة لا يعني في كثير من الأحيان سوى الانتماء إلى حيّ شعبي متمحور اجتماعيّاً حول عامل جهوي/فئوي/عشائري: جماعة دوّار هيشر، جماعة العمران الأعلى (حيّ المثاليث)، جماعة سيدي بوزيد، جماعة بير الشبّاك في سوسة، جماعة سجنان في بنزرت، جماعة بنقردان في مدنين، إلخ...
ويبرز الانتماء العشائري الواضح عند كثير من الجماعات العلاقة بين مسألتي «التركزّ المجاليّ» (Concentration spatiale) و«الجَيَشَان الاجتماعيّ» (Effervescence sociale). فمن المسلّم به تقريباً وجود تأثير قويّ لمتغيّرات التّوزيع المجاليّ للسكّان وأنشطتهم ونمط تركيبتهم وكثافتهم الفيزيائيّة على الحركيّة الاجتماعيّة ([9]). ولعلّ التشابك بين الانتماء العشائري والجهوي بوصفه ضرباً من «التّضامن الآليّ» (Solidarité mécanique) وبين الانتماء لجماعة عقائديّة إيديولوجيّة بوصفه ضرباً من «التّضامن العضويّ» (Solidarité organique) يمكن تفسيره جزئيّاً بالتغيّرات التي تشهدها «الوحدة المجاليّة» (Unité spatiale) نتيجة التطوّر الحضري غير المتكافئ الذي تعيشه المدينة والأرياف التونسيّة على حدّ سواء (ظاهرة التحضّر الهامشي السريع في الأرياف وعلى تخوم المدن)، وهو ما يستدعي ردود أفعال بشريّة متّجهة نحو «الفردنة» (Individualisation) اللاّزمة لانبثاق تضامن عضويّ نرى أنّه لم يأخذ مداه بعد، وهو ما يترجم ضعف تركيبة المجتمع المدني بما في ذلك الجمعيّات المنتمية للتيّار السلفي، وهي بالعشرات.
1. التعريـــف
ومن هنا، فإنّه يمكننا تعريف النِّحْلَة إجرائيّاً، بغرض التحليل فحسب ووفق نمط مثالي قد يتّسع لظواهر أخرى غير السلفيّة وقد يضيق عن بعض الجماعات المنتسبة إليها، بأنّها:
«جماعة مُغلقة مُؤسّسة على الاتّباع ومُتمحورة حول شيخ وإيديولوجيا، مُعتمدة إحداث تمايز نفسي اجتماعي بين الأتباع وبين غيرهم (بقيّة المجتمع) مُستهدفة تحقيق وعد إلهي».
وبلُغة علم النفس الاجتماعي، وفي ما يخصّ موضوعنا، فإنّ الجماعة السلفيّة:
«تنظيم يعتمد حركيّة خاضعة لجملة مبادئ، وله خطاب يميّزه، ويخضع لآليّة تطوّر بنيويّة وثقافيّة خاصّة به بحسب تزايد أعداد المنتمين بفعل الانتداب الخارجي (من خارج الجماعة) اعتماداً على تقنيات تشريط نفسي ثقافي وتقنيات تشريط جسماني مخصوصة».
ولننبّه مرّة أخرى إلى أنّنا إزاء تعريف إجرائي فحسب قد يصدق على الجماعة السلفيّة في نمطها المثالي (بالمعنى الفيبري)، أي مجرّد خطاطة تصدق ملامحها العامّة على مختلف الجماعات التي قد تكون ذات ملامح مخصوصة بها تميّزها عن غيرها وإن اشتركت جميعها في صفة السلفيّة دينيّة كانت أم غير دينيّة، شرط أن لا تخرج عن هذا الإطار العامّ للتّعريف([10]).
على أنّ هذا التعريف لا يشمل الأفراد الذين يعتبرون أنفسهم سلفيّين بصفتهم الفرديّة أو بصفتهم أعضاء في أمّة يرون أنّها - بالقوّة أو بالفعل - سلفيّة على ما درج عليه كثير من المسلمين في انتحال هذه الصفة باعتبارها انتماءً حضاريّاَ لمجمل السلف الصالح، حتّى وإن كان الأمر في هذه الحالة من باب محاولة نزع الشرعيّة عن الجماعات التي تسعى إلى احتكار الصفة وقصرها على المنتمين إليها بوصفها المعبّر «الأوحد» عن روح «الجماعة السلفيّة» (بألف ولام الاستغراق والتوحّد)، أي الصفوة المختارة الممثّلة لروح «الأمّة الإسلاميّة».
2. التنظيــــم
دأبت الأدبيّات الدارسة لأشكال الانتظام الديني أو ما يسمّى الحركات الدينيّة إلى اعتماد تقسيم تقليدي للجماعات بحسب شكل انتظامها الميداني، فهي إمّا ذات تنظيم هرميّ (Structure pyramidale) تراتبيّ يعتمد مرجعيّة واحديّة (قائد أو مجلس قيادة) وأتباع متمرتبون حسب الأقدميّة أو الوظيفة أو درجة القرب من القائد، وهذا من المشترك مع كثير من الجماعات المنتظمة ضمن نشاط محدّد مثل الأحزاب السياسيّة أو الجمعيّات المدنيّة والتشكيلات العسكريّة المعلنة (الجيش، الديوانة، الشرطة، إلخ...)، أو هي ذات تنظيم عنكبوتي (أو عنقودي) (Structure en toile d’araignée ou en grappes) وهذا خاصّ بالجماعات السريّة أو الأجنحة السريّة أو المسلّحة وشبه العسكريّة داخل الحركات الهرميّة على وجه أخصّ وبغرض منع الكشف عن هيكليّة التنظيم بأكمله في صورة وقوع بعض المنتمين في يد العدوّ بما يمكّن من مواصلة النشاط وإعادة البناء التنظيمي بأسرع وقت وبأقلّ الأضرار الممكنة.
وإذا ما استثنينا أتباع السلفيّة العلميّة التي ينشط كثير منهم ضمن جمعيّات دعويّة وخيريّة قانونيّة، فإنّ الحديث عن جماعات سلفيّة جهاديّة بدل جماعة يجد تبريره في اعتراض كثير من المنتمين إلى التيّار الجهادي على مسألة الانتظام الشكلي، ومن ذلك اعتراض بعضهم على إعلان ولادة تنظيم «أنصار الشريعة» مثلاً في تونس، وإن كانت ولادة عسيرة ولم تتجاوز بعدُ الشكل الجنيني. وقد كان على رأس أولئك المعترضين الشيخ الخطيب الإدريسي (وهو شيخ كفيف) الذي يتركّز نشاطه بمنطقة القيروان والساحل على وجه الخصوص، ويحظى باحترام كبير في أوساط أبناء التيّار الذين يلقبّونه بـ«الشيخ الوالد». وقد أسّس الخطيب الإدريسي «الهيئة الشرعيّة للدّعوة والاصلاح» وتضمّ إلى جانبه كلاًّ من الشيوخ: محمّد عبد الرحمان خليف (رئيس الجمعية الشرعيّة للعاملين بالقرآن والسنّة) وخميس الماجري وعماد بن صالح (أبو عبد الله التونسي) ومحمّد أبو بكر، وخليفة القفصي (أبو عاصم القفصي)، وهؤلاء جميعاً معروفون برفضهم خيار أنصار الشريعة في مسألة التنظّم.
ولعلّ البطء الملاحظ في انتظام أنصار الشريعة ضمن هيكل تنظيمي مردّه هذه الثنائيّة، فقد تمّ افتتاح موقع رسمي للتنظيم على الأنترت منذ شهر مارس 2013 وُضع تحت الإشراف العامّ لـ«أمير» التنظيم سيف الله بن حسين المعروف بأبي عياض وتضمّن إشارة إلى وجود 5 فروع هي ([11]):
·         المكتب الدعوي، ويشرف على تنظيم الخيمات الدعويّة والدروس المسجديّة والدورات العلميّة.
·         المكتب السياسي، وعنه تصدر البيانات الموجّهة إلى الرأي العامّ.
·         المكتب الإعلامي (بيارق)، يصدر مرئيّات وصوتيّات إلى جانب مجلّة «الوعد» وقد صدر منها عددان إلى حدّ شهر جوان 2013.
·         اللجنة الشرعيّة، وتختصّ بالتأصيل الشرعي لما يطرح عليها من مسائل.
·         المكتب الاجتماعي، ويشرف على تجهيز القوافل الطبيّة والحملات الخيريّة والإعاشيّة.
أضف إلى ذلك تعيين «سيف الدين الرّايس» بمهمّة الناطق الرسمي باسم أنصار الشريعة في تونس.
فهل نحن إزاء تنظيم مهيكل ؟
يبدو أنّ الإجابة عن هذا السؤال غير ممكنة بعد، فمعظم من قابلناهم من أنصار الشريعة لا يعرفون سوى بعض الشيوخ في قيادة التنظيم دون أن يعرفوا المهامّ المكلّفين بها، وهذا ما يبدو واضحاً في عدم الإعلان إلى حدّ الآن عن تركيبة مكاتب التنظيم مثل المكتب السياسي والمكتب الدعوي، كما زلنا لا نعرف هيكليّة محدّدة للتنظيم في الجهات حيث يُكتفى عادة بتسميات فضفاضة من قبيل «أنصار الشريعة ببنزرت» أو «أنصار الشريعة بقربة»، وهذا ما يزيد في غموض الهيكلة ويدفع نحو الاعتقاد بوجود مخاض داخل هذه الجماعة في سبيل أن تتهيكل، لكن ضمن شكل جديد «غير تقليدي» و«غير مغلق» يستجيب لشكل القابليّة الاجتماعيّة الجديدة التي أفرزتها الثورة في تونس، أو بالأحرى كانت الثورة أحد أشكالها.
وتشير دراستنا الميدانيّة إلى أنّنا إزاء شكل «تقليدي» من القابليّة الاجتماعيّة تكثّفه جماعات متجانسة ومنغلقة وهرميّة من جهة أولى، مع وجود شكل قابليّة اجتماعيّة «حداثي» تكثّفه نفس الجماعات خصوصاً على شبكات التواصل الاجتماعي في الفضاء الخائلي (Espace virtuel)، وهو ما يؤشّر على بداية تخلّق شكل انتظام اجتماعي/جمعيّ جديد لم تتحدّد ملامحه بعد.
والحقيقة أنّ المفاهيم الكلاسيكيّة التي تطرحها المورفولوجيا الاجتماعيّة، وهي الجماعة والشّبكة والحشد، تفقد قدرتها التفسيريّة أمام محاولات فهم أشكال القابليّة الاجتماعيّة التي تتولّد عن استعمالات الوسائط الرقميّة التي تعتمدها الجماعات السلفيّة الجهاديّة بطريقة متميّزة في الغالب وضمن مجموعات تواصليّة «مغلقة» سواء على تطبيقة «سكايب» للتواصل السمعي البصري أو جماعات التواصل الاجتماعي «السريّة» (Groupes secrets) على الفايسبوك، أو صفحات شخصيّة للدّعاة أو لمجموعات «مفتوحة» متعدّدة ومنفتحة ومرنة البنية مثل «مجلّة البيّنة» وصفحة «شيوخ السلفيّة بتونس» وغيرها([12]).
وإثر أحداث جبل الشعانبي وتصنيف الحكومة تنظيم أنصار الشريعة تنظيماً إرهابيّاً بناءً على ثبوت تورّط بعض المحسوبين عليه في تلك الأحداث وفي عمليّتي اغتيال الناشطين السياسيّين المعارضين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي لدى مصالح الأمن، تعرّض أتباع التنظيم لسلسلة من الملاحقات الأمنيّة نتج عنها إيقافات محدودة واكتشاف مخابئ أسلحة وعتاد حربي، وهو ما جعل الأنصار يطالبون بإيضاح الموقف ليصدر بيان بتاريخ 03 سبتمبر 2013 زاد من الغموض إذ تمسّك بالتعرّض لمظلمة المنع من الدعوة من قبل نظام «الطاغوت» وتصنيفه إرهابيّاً نزولاً عند رغبة أطراف أجنبيّة (الولايات المتّحدة الأمريكيّة)، وجدّد الولاء لـ«قاعدة الجهاد والتشكيلات الجهاديّة في العالم» دون أن يشير إلى ما يُتّهم به من عنف، وهو ما جعل الأنصار مرّة أخرى يطالبون القيادة بتوضيح المسألة. وقد جاء ردّ أبي عياض في بيان مقتضب بإمضائه في ذات اليوم ورد فيه بالخصوص ما يمكن اعتباره «مفاصلة» مع المجتمع ودعوة صريحة لعدم التعويل على «الحاضنة الشعبيّة» أي عدم الإيمان بشعبيّة الثورة بل بـ«تنظيم ثوري طليعي» مع ما يعنيه ذلك من اعتماد العمل السريّ وما يستوجبه من تقيّة في سبيل «القيام بوظيفة الطائفة المنصورة»، أو «الفريضة الغائبة»، أي الجهاد ([13]). فهل نحن بصدد دخول تنظيم أنصار الشريعة مرحلة جديدة من تاريخه([14]) ؟ وهل ستكون استراتيجيّته المقبلة العمل السرّي والدخول في صراع مسلّح مع الدولة التونسيّة باعتماد أسلوب «الجهاد اللامركزي» التي تجعل المجموعات الجهاديّة في مأمن من خطر الاجتثاث على ما جاء في نظريّة أبي مصعب السوري([15])؟ أم إنّه سيتبنّى أسلوب «الجهاد المركزي» حسب نظريّة أبي بكر ناجي الداعية إلى إنشاء «منطقة توحّش» ([16]) في المناطق المهيّأة لذلك على غرار المحاولة التي عرفتها جبال الشعانبي بتونس من إقامة قاعدة جهاديّة تمهيداً لمرحلة «النكاية والإنهاك» الممهّدة بدورها لـمرحلة «إدارة التوحّش» وصولاً إلى «مرحلة التمكين» ([17]) ؟
مهما كان الاختيار الذي سيقرّ عليه أنصار الشريعة، فإنّ الثابت أنّ «المراد تفكيك الدولة والتأسيس نحو الخلافة... ووضع آليّات يكون فيها العقد الثاني من هذا القرن الذي بدأت فيه الحرب العالميّة الثالثة بداية لثورة شعبيّة عارمة تعمّ أرض المسلمين كلّها مطالبة بإقامة الخلافة الإسلاميّة الراشدة» ([18]).
3. الحركيّـــة
تتّصف الإيديولوجيا السلفيّة الجهاديّة عموماً بالتكثّف الإيديولوجي (Scotomisation) من حيث ارتكازها على فكرة مركزيّة أو فكرتين (النفير، الجهاد، الغربة، الصلاح، الخ) واعتماد مرجعيّة نصيّة صارمة (القرآن والسنّة وأقوال السلف الصالح). لكن أهمّ صفة قد تكون إضفاء صفة الشرعيّة الإلهيّة عل تلك الإيديولوجيا، وهي تعني ضمنيّا: فذاذة النموذج المجتمعي الإسلامي المراد تحقّقه، والأصل الإلهي للعقائد المؤسّسة للإيديولوجيا وفذاذة تطبيقاتها السياسيّة. وبذلك، ننفذ إلى الشريان الحيّ للسلفيّة الإسلاميّة عموماً، ولتعبيرتها المسلّحة على وجه الخصوص ممثّلة في السلفيّة الجهاديّة، ألا وهو ادّعاء «أصالة» إسلاميّة فذّة. فالأصالة تشكّل أحد الأعمدة الأساسيّة للتّبرير الإيديولوجي، وهي فكرة طاغية في معظم أدبيّات التيّار السلفي، وصيغة أساسيّة لمرونة الإيديولوجيا السلفيّة حيث تُعتبر قاعدة سلطة التيّار السلفي الأخلاقيّة في الحُكْم على معظم المسائل، ومقياس ما يشكلّ الفرق بين «الإسلام القويم» وما عداه. إنّهم يرون أنّ نموذجهم هو وحده الأصيل، لأنّه قائم على أقوال السلف الصالح وأفعالهم، أي الجماعة المسلمة الأولى التي يُعتبر سلوكها نمطاً يُحتذى به بوصفهم سابقون على التّوافقات التي عُقدت في التاريخ الإسلامي مع المتطلّبات العمليّة للسّلطة الدنيويّة([19]). ومن هنا، فإنّ مسألة الأصالة هي ما يمنح السلفيّة الجهاديّة ما تتميّز به من مرونة إيديولوجيّة، حيث تُتيح هذه المقولة تسويغ المواقف الإيديولوجيّة وعلى وجه الخصوص تبرير الجهاد المسلح، على قاعدة أنّهم مأمورون بوصفهم مسلمين بتقليد النبيّ والصحابة الأُوَل، بل باستعادة النموذج النبويّ في جميع أوجهه([20]).
فبما أنّ الجماعة المسلمة الأولى خاضت الجهاد، فإنّ حجّتهم في ذلك تغدو قائمة، بل هي حجّة قويّة لأنّها تجعل سلوكهم ونموذجهم أكثر معياريّة ممّا عداه. وهو ما يعني أنّ كفّة الفوز سترجّح لفائدة الجهاديّين في حالة نشوب صراع حول ما يشكّل الإسلام القويم، أو في صورة حدوث تضارب مع النصّ، لأنّهم «الطائفة المنصورة» و«القوّامين على الحقّ». ومن هنا، فإنّ العودة إلى «قالب بكر»، يعني عدم الالتزام باتّباع توجيهات المدارس الفقهيّة التي زاغت عن «منهج الحقّ» نتيجة الفساد المتراكم عبر التاريخ، واعتبار العلماء الوسطيّين متعاونين مع «أنظمة الطاغوت» ولا سلطة إيديولوجيّة لهم.
ونظراً للمشكلات التي تواجه في العادة تحديد المعالم الدقيقة للإيديولوجيا السلفيّة، فقد يكون من الأجدى الإشارة إلى أكثر عناصرها النوعيّة عموميّة والتي تتجلّى بالخصوص في تعبيرتها الاحترابيّة المتشدّدة في السلفيّة الجهاديّة، وهي:
·         الانسحاب والانفصال عن الثقافة المعاصرة عموماً (عدا تطبيقاتها التقنيّة) والعلاقات الاجتماعيّة مقابل الالتزام بالكتاب والسنّة وعمل السلف الصلح في سبيل فرض العقيدة الصحيحة (Orthodoxie) والسلوك القويم (Orthopraxie) عن طريق الجهاد([21]).
·         الترويج لإيديولوجيا الجهاد على أنّها نظريّة شاملة يمكن من خلالها تفسير جميع الظواهر ومعالجتها([22]).
·         عدم الاقتصار في النظام الجديد على السعي نحو تحويل النظام السياسي والاجتماعي فحسب، بل صميم فكر الفرد أيضاً.
·         رفع الحقوق الجماعيّة على حساب الحقوق الفرديّة، وتصنيف الحقوق حسب الولاء للنظام الاعتقادي.
·         خفض الحقوق الكونيّة، وقمع التنوّع، ومعارضة الديمقراطيّة والتعدديّة والفكر المتحرّر بشدّة.
·         الدعوة لإقامة دولة الخلافة الشموليّة والتوسعيّة([23]).
ويلاحظ اعتماد الجماعات السلفيّة ثلاثة مبادئ من أجل الحفاظ على هيكلها العامّ من حيث الشكل وانتظامها النفسي الثقافي كجماعة إيديولوجيّة مستقلّة بذاتها، هي: مبدأ التمايز، ومبدأ الاكتفاء الذاتي، ومبدأ القطيعة، وهي تؤدّي كلّها إلى تأكيد الشعور بـ«الفذاذة». ولئن كان المبدأ الفقهي القائل «الشبيه بالمنكر مكروه» هو المعتمد في هذه الحالة، وهو مبدأ إسلامي عامّ كما نعرف، إلاّ أنّ «عقيدة الولاء والبراء» تجعل «المسلم الحقّ» طبقاً لشروطها لا يندمج في مجتمع «العدوّ» البعيد أو القريب أو يحاكي أيّاً من عاداته حتّى أتفهها، بما فيها تلك التي تتّصل بالحديث واللباس أو الأكل والشرب، عملاً بقول النبي «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ»([24])، ناهيك عن تبنّي تصوّراته الفكريّة السياسيّة([25]). وبذلك يغدو إقصاء أكثر ما يمكن من عناصر الثقافة «الجاهليّة» بشقّيها «الغربي الصميم» و«المنتحل الإسلام»، أمراً أساسيّاً في الإيديولوجيا السلفيّة الساعية نحو بناء نموذج متمايز([26]).
أ - مبدأ التمايز
تشير الدراسات الكلاسيكيّة عموماً إلى اعتماد الجماعات النِّحَليّة مبدأ التماهي بينها وبين المنتمي إليها، وهو ما يؤدّي إلى فقدان الفرد كلّ استقلاليّة في وجوده وفي تفكيره. فلا مجال لتفكير شخصي خارج ما تفكّر فيه الجماعة وما ترسمه من حدود للمفكّر فيه. فالجماعة هي من يفكّر، ولا مجال للخروج عن إجماعها، فكلّ خروج هو ضرب لمبدأ الولاء ويخرج صاحبه بالفعل من دائرة «أهل الحقّ» أو «الطائفة المنصورة».
وعلى عكس منع التمايز الشخصي داخل الجماعة، فإنّ الجماعة تشجّع كلّ مظاهر التمايز عن المجتمع وعن بقيّة الجماعات مهما كانت مشاربها وتوجّهاتها (أحزاب، جمعيّات، مدارس فكريّة، تيّارات إيديولوجيّة، إلخ).
ب - مبدأ الاكتفاء الذاتي
وهو ما يسمح بتطوّر الحركيّة النفسيّة للجماعة ويدفع الفرد نحو الانسحاب التدريجي من المجتمع والانغماس في الجماعة. فاشتغال الجماعات يقوم على أساس توتّر جدلي بين الميل إلى بناء جماعة متماثلة مع النفسيّة الجماعيّة، والميل إلى الانصياع لما تمليه العمليّات الاجتماعيّة التي يفرضها الواقع الاجتماعي([27]). إنّه مبدأ ينشئ حدوداً بين الداخل والخارج، بين الجماعة وبقيّة المجتمع الذي يُنظر إليه في مرحلة أولى كمعطى لازم (بحكم تبعيّة الفرد الاقتصاديّة لعائلته بالخصوص) قبل أن يغدو خطراً على الجماعة من حيث قدرته الاحتجاجيّة على تفكيك منطق الانتماء للجماعة وإبراز خطورته على الفرد، ومن هنا محاولات الاستغناء عن كلّ مورد مالي من خارج الجماعة وقطع الصلة مع موارد العائلة الماديّة والتعاون المالي المتين بين عناصر الجماعة في إقامة مشاريع اقتصاديّة صغيرة خارج أطر الاقتصاد الشكلي والقانوني (صناعات منزليّة، باعة متجوّلون، انتصاب فوضوي، تهريب، إلخ).
وينسحب هذا المبدأ أيضاً على موارد الجماعة النفسيّة والثقافيّة، فيمنع عادة قراءة كتب المخالفين في العقيدة والدين والاقتصار على كتب ومواقع الكترونيّة بعينها دون أخرى، إلى جانب منع ارتياد المسارح ودور السينما والمقاهي المختلطة ودور الثقافة، وجميع الأماكن التي قد تكسر مبدأ تمايز الجماعة عن المجتمع.
ج - مبدأ القطيعة (داخل خارج)
تتميّز أنصار الشريعة عن باقي الجماعات غير المعلنة بعدم وضوح الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج، أو بالأحرى بحدود رجراجة تتمدّد وتتقلّص حسب المقتضيات الظرفيّة، فهم يقبلون بالحوار في أوقات دون أخرى ويناقشون مسائل دون أخرى في ظلّ خوف متزايد من الاختراق من جهة أولى، ومن تأثّرهم بمحيطهم من جهة ثانية. فالقطيعة غير كاملة مع المحيط، ولعلّ شعار «أبناؤكم في خدمتكم» الذي ترفعه الجماعة دليل رغبة في الاعتراف بـ«بنوّتهم» من قبل المجتمع مقابل «خدمة» تُسديها له الجماعة بـ«هدايته إلى اعتماد الشريعة». ولئن كان في هذا استبطان لمبدأ غير معلن يقضي بأن يكون «خادم القوم سيّدهم»، إلاّ أنّه استبطان أيضاً لمبدأ «قتل الأب» ممثّلاً في المجتمع رمزيّاً بإعلانه مستوجباً للهداية ومستهدفاً بالدّعوة، وبذلك تنقلب صورة «الابن الضالّ» إلى «أب ضالّ»، ما يؤشّر على وجود صراع مابين-جيلي يجد تعبيره العملي في «فتوّة» و«عنفوان» المنتمين لهذا التيّار وحقيقة كون أغلبيّتهم الساحقة من الشباب الذي لم يتجاوز الأربعين من العمر، وهذه حسب الدراسات المقارنة السنّ القصوى للمنتمين إلى التيّارات «الثوريّة الفوضويّة» عبر تجارب التاريخ الحديث في أوروبّا والغرب عموماً، وخاصّة خلال فترات «الجَيَشَان الاجتماعي» على غرار ما تشهده بلادنا راهناً.
وغنيّ عن البيان أنّ أنصار الشريعة كانوا من بين السبّاقين بعد سقوط نظام بن عليّ إلى الانخراط في العمل الخيري والإغاثي، فقد سيّر هذا التنظيم عشرات القوافل إلى المناطق المحرومة والمناطق المتضرّرة من السيول والثلوج، وضربوا مثالاً رائعاً في هذا المجال من خلال القوافل الطبيّة التي تعالج الفقراء مجانّاً وتقيم حفلات الاختتان وتفرّق لحوم الأضاحي و«قفّة رمضان»... وهذا ما يفسّر تعاطف شرائح شعبيّة واسعة مع أنصار الشريعة، وخاصّة في إطار ما تشهده البلاد من أزمة اقتصاديّة وتقلّص دور الدولة الاجتماعي تجاه الفئات الضعيفة اقتصاديّاً والهشّة اجتماعيّاً، وهو ما يسمح بتنامي أعداد المتعاطفين والأنصار ومن ورائه عدد المنتمين.
4. التطــــوّر
يلاحظ اعتماد أتباع التيّار السلفي الانسحاب التدريجيّ من العالم الخارجي عبر تطوير ثقافة ثانويّة مضادّة (Contre culture) مُرتكزة على:
«نمط عيش خاصّ في المأكل والمشرب والمظهر والخطاب والسلوك، خاضع لمقتضيات إيديولوجيا يحكمها منطق دينيّ شرعيّ يتجاوز في آنٍ المنطق الصُّورِي الفلسفي والمنطق الاجتماعي التاريخي، ويعتمد لُغة خاصّة». 
إنّها ثقافة مضادّة ومعارضة للنموذج الاجتماعي السائد لعلّ ما عزّز بروزها بقوّة معايشة المجتمع التونسي حاليّاً «الجَيَشَان الذي يميّز الفترات الثّوريّة أو الخلاّقة» ([28])، أي فترة تاريخيّة تتميّز بتغيّر القيم والبحث عن فكرة أو مجتمع منشود لجعله شيئاً مقدّساً و«موضوع طقس حقيقيّ» ([29]) يمكّن الجماعة من إعادة إنتاج نفسها مقابل الخضوع لإكراهات سلطة سياسيّة تقبل بمقاسمة الجماعة مقدّسها، أي فكرتها أو هدفها الجماعي الذي يتجسّد في زعامة ملهمة (كاريزميّة). ولعلّ افتقاد المجتمع التونسي لزعامة سياسيّة قادرة على حمل المشروع الجماعيّ، أي احتواء النّزوع الجماعيّ غير الواعي غالباً نحو الانقياد وتوظيفه لخدمة المقدّس الجماعيّ، هو ما صعّب التّمييز بين الملامح الدّينيّة والملامح السّياسيّة لصورة تلك الزّعامة كما تتبدّى للجماعة المؤمنة بها ([30])، وسهّل من جهة أخرى بروز جماعات تتوحّد فيها شخصيّة الزّعيم والمشروع الذي تجسّده (أبو عياض التونسي مثلاً)، على غرار ما عرفته الأنظمة الشموليّة في أوروبّا ما بين الحربين (هتلر، موسولوني، ستالين)([31]) والحركات الثوريّة الماركسيّة خلال مرحلة الحرب الباردة (تشي غيفارا، جورج حبش)([32]).
5. تقنيــــات الاستيعـــاب
دأبت الدراسات الغربيّة المختصّة في النِّحَل على استخدام مفهوم «الاستدماج» (Intégration) للحديث عن آليّة التحاق الأفراد بإحدى النِّحَل ليُضحي واحداً منها. لكن استرعى انتباهنا استخدام أحد كبار المختصّين في المسألة لمفهوم «الاستيعاب» (Assimilation) أو مفهوم «البَلْعَمَة» (Phagocytose) في معناه الحيوي البيولوجي وهو ما نراه أكثر ملاءمة لقضيّة الحال([33]). فالحديث عن استيعاب، يقتضي في ما يقتضيه معرفة العوامل الفرديّة والجماعيّة والمكانيّة والزمانيّة التي يتمّ فيها استلحاق فرد بجماعة. كما يقتضي الاستيعاب أيضاً معنى فيزيولوجيّاً أي امتصاص الكائن المستوعِب عناصر الحياة العضويّة لفائدته من الكائن المستوعَب. وتتحدّد سرعة الاستيعاب بطبيعة التقنيات المعتمدة وقوّة تطبيقها ومدى المقاومة التي يبديها الفرد، حيث تتداخل جميع هذه العوامل وتتضافر في مواجهة المقاومة التي يبديها المحيط الخارجي عموماً في سبيل منع الاستيعاب، وخاصّة المقاومة التي يبديها المحيط الاجتماعي العائلي تجاه ذلك.
ويعتمد الاستيعاب آليّات الاستهواء وتقنيات الاقتراب (المعتمَدة عند أجهزة المخابرات) من خلال الإبهار والإقناع ممّا يستوجب صفات خاصّة في الداعية وفي المستهدَف بالدّعوة، وحسب استراتيجيّات مخصوصة (الإقناع/الدعوة، أسْطَرَة الخطاب، لعب دور القُدوة، التماهي مع شخصيّات مُؤَسْطَرَة مثل الصحابة والعلماء، الطّوبى: جنّة الجماعة مقابل جحيم المجتمع الجاهلي، جنّة المؤمنين مقابل جحيم الكفّار والمخالفين)، وفي هذا حلّ سهل للمشاكل النفسيّة والاجتماعيّة والميتافيزيقيّة لا يحتاج مجهوداً...
أ - صفات الداعية
من وجهة نظر علم نفس الضحيّة (Victimologie)، فإنّ الجماعة تقدّم «مُنْتَجاً» يفترض الاستجابة لحاجة محدّدة (الحرمان النفسي والشعور بالظّلم الاجتماعي عند المستهدَفين) في لحظة معيّنة (لحظة الاستهداف). ومن وجهة نظر فنّ الإشهار، فإنّه يُمكن لخطاب «التسويق» استخدام جميع أنواع الإقناع القهريّ الذي يعتمد معطى أساسيّاً هو: الأسطرة. إنّه خطاب مُدَلَّسٌ ومُدَلِّسٌ لا يهدف إلى التواصل مع المستهدَف، بل إلى «هدايته» وإخراجه من حالته النفسيّة المتردّية باعتماد استراتيجيّة تدرّج الخطاب من الواقعي إلى المتوهَّم دون إثارة ظاهرة الرفض عند المستهدَف. ويتمّ تقديم نموذج الاطمئنان النفسي باعتماد عدّة عناصر:
§       الحكي: ينبغي على خطاب الإقناع إضفاء قناع على الواقع وأسطرته. فلا يكتفي الداعية باصطناع واقع مخصوص مخالف للواقع المحايث، بل عليه اختراع حكاية تجتذب المستهدَف وتستهويه بغرض تثبيت صورة متوهّمة عن حياة مثلى في كنف الجماعة تستجيب لانتظاراته.
§       المحاكاة: يتقمّص الداعية دوراً مسرحيّاً ويصطنع شخصيّة جذّابة تستبدل آليّة الشكّ المنهجي والتحليل المنطقي باليقين والاقتناع الإيماني، ويختلق أحداثاً يكون بطلها إمّا هو أو أحد أفراد الجماعة.
§       التقيّة: يتعمّد الداعية إخفاء تساؤلاته وشكوكه، فهو مطمئنّ لقناعاته (أو لما يريد أن يُقنِع به) وشديد الثقة بنفسه وبخطابه ودائم الابتسام. إنّه يتماهى مع سرديّته ويعطي الانطباع بالعيش المطمئنّ فيها وبها ومن أجلها.
§       الاستهواء: لا يمكن للدّاعية سرد حكايته إلاّ في وجود رغبة عند المريد في سماعها حتّى النهاية. لذا، يتوجّب على الراوي اعتماد خطاب دينيّ يستشهد بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة وبأقوال الصالحين حتّى وإن كانت خارج سياقاتها. كما عليه التحلّي بأدب جمّ وتلطّف كبير تجاه المخاطب، فيناديه بـ«الأخ في الله» وبـ«المسلم الغيور على دينه» و«حبيبي في الله»، وما شابه هذا من ضروب التبجيل. فالتلطّف «خدعة في خدمة الإقناع، لأنّه من عوامل إنتاج توافق رخيص الثمن. ومن شأن الخطاب اللطيف وعبارات التأدّب أسر عاطفة المخاطَب وترسيخ توافق عاطفي معه» ([34]). فخطاب الإقناع لا يتوجّه إلى العقل قدر استهدافه العاطفة الإيمانيّة. وإذا كان الإيمان هو الموافقة على اقتراح يُعتقد في صحّته إمّا بطريقة متأنّية وبعد رويّة وطول تفكير، أو بصفة آنيّة ودون أيّ تفكير ([35])، فإنّه في الحالتين تسليم بأمر لا يحتمل التفكّر حالما يتمّ القبول به([36]). فالإيمان متضادّ مع التفكير والتحليل، ومن شأن إعادة التفكير إلقاء ظلال من الشكّ على الجماعة([37])، وبالتّالي خيانة «الأمانة» و«الأمّة» و«الخروج عن الدين القويم»...
§       الازدراء: يقوم كلّ تواصل حقيقي على أساس تساوي المتواصلين على مستوى إبلاغ الخطاب وتقبّله. أمّا في حالة الإقناع القهري، فإنّ الداعية لا يكتفي بتزييف الواقع من خلال خطابه، بل يتعدّى ذلك إلى تزييف العلاقة مع المريد. فما أن يبدأ في اجتذاب المريد إلى التماهي معه، حتّى يضع نفسه في علاقة فوقيّة يمارس من خلالها سلطة، هي سلطة التلاعب (Manipulation). فالهدف الأسمى ليس إقامة علاقة مع الآخر بقدر ما هو التسلّط على «مريد».
ولعلّ أهمّ محرّك للإقناع القهريّ هو قدرة الداعية على دفع المريد إلى القبول بطوبى لاعقلانيّة. فإذا ما كان الواقع هو مصدر القلق والإحساس بالنَّقْص، وهو ما يدفع المريد نحو الانتماء إلى جماعة، فإنّ الطوبى المقترحة هي ما يطمئنه إذ تقدّم له حلولاً جاهزة لا حاجة لقلق التفكير في اعتناقها. وهذا ما يمكن أن يفسّر مثلاً – من الناحية النفسيّة المحضة - سهولة انتماء المدمنين بأنواعهم إلى الجماعات السلفيّة (خاصّة مدمني المخدّرات والقمار القهريّ) وبعض أصحاب السوابق العدليّة على ما شوهد خلال بعض التظاهرات العنيفة التي شهدتنا تونس خلال السنتين الماضيتين وما عاينّاه من خلال معرفتنا بمنتسبي هذا التيّار بجهة دوّار هيشر على وجه الخصوص...
ب - صفات المريد
يتحدّد التزام المريد بالجماعة بدرجة التوازن الذي سيحدث بين القهريّة التي تمارسها الجماعة وقوّة الروابط الاجتماعيّة الموجودة بين المريد ومجتمعه. وينتمي المريدون الجدد عموماً إلى الفئة العمريّة المتراوحة بين 18 و25 سنة، وهم في الأغلب تلاميذ في سنواتهم النهائيّة بالمعاهد الثانويّة ويعانون من مصاعب في اجتياز المرحلة الثانويّة نحو الجامعة، أو ممّن يفوق مستواهم التعليمي الرسمي إن كانوا طلبة جامعيّين مستواهم الثقافي الاجتماعي، وهو ما يؤشّر إلى معايشتهم صعوبات اندماج اجتماعي ثقافي.
ويمكن القول من خلال دراسة بعض النماذج أنّ الانتماء يكون غالباً نتيجة وجود نزاعات عائليّة أو اجتماعيّة، وهو ما يجعل الجماعة تمثّل ملجأ واقياً من العنف النفسي الاجتماعي الممارس على المريد بما يرسّخ قناعته بمسؤوليّة المجتمع عامّة وأسرته على وجه الخصوص على ما يعيشه من صعوبات تكيّف. فالانتماء إلى جماعة سلفيّة هو في الأعمّ استجابة لمطلب استقلال عن العائلة تغذّيه في الغالب أحلام مجهضة لمراهقين أو قطيعة مع مرحلة اطمئنان نفسي شخصي أو عائلي (طلاق الوالدين، انقطاع عن الدراسة، بطالة الأب أو الأمّ، اليتم في هذه المرحلة العمريّة، الخ)، وهو ما يُكسب الانتماء إلى جماعة طابعاً شبه استشفائيّ (Pseudo-thérapeutique): إنّها توفّر مرجعيّة جديدة تعترف بالمنتمي فاعلاً مقابل محيط اجتماعي متفلّت وعاجز عن استدماجه اجتماعيّاً وثقافيّاً.
ومن بين عوامل الاستعداد النفسي المسبق لدى المنتمين المدروسين، وجود بنى نفسيّة من النمط الانطوائي (Schizoïde) المتميّزة شخصيّاتها بانفعاليّة مفرطة (Hyperémotivité) وحساسيّة مفرطة (Hypersensibilité)، لكن دون أن تصل العوارض عند الشخصيّات الملاحظة في العموم، على قلّتها، درجة مَرَضيّة. فمعظم من قابلناهم من ذوي الشخصيّة النمطيّة المتميّزة بقلّة الكلام وحبّ العزلة والانطواء وتحاشى الاحتكاك بالنّاس خارج دائرة الجماعة. ومن المعروف أنّ هذه الشخصيّة تُميّز من سبق تعرضّه لعنف جسدي ونفسي في مراحل مبكّرة من العمر مؤدّياً إلى شعور حادّ بالمرارة وتنامي غضب داخلي يتعاظم مع التقدمّ في السنّ، وقد تظهر بوادر العنف أحياناً في سنّ مبكّرة ويكون ميدانها الأسرة والمدرسة والشارع، وفي أحيان أخرى بصفة متأخّرة، ممّا يجعلها أكثر حدّة وخطراَ وكثافةً إذا طال كبتها ولم يتمّ التنفيس عنها مبكّراً. ومن المهمّ أيضاً الإشارة إلى أنّ ما تعانيه هذه الشخصيّة من لامبالاة وإهمال من قبل المحيط الاجتماعي، وما تعيشه من تمزّق وألم نفسي نتيجة توتّر علاقاتها الاجتماعيّة الثقافيّة، يُعَدّ من العوامل المهمّة جدّاً في التأثير سلباً على هذه الشخصيّة المتميّزة بضمور الروابط الاجتماعيّة وتقلّص التبادلات العاطفيّة، وهو ما يجعل ردودها عنيفة ومتشنّجة كلّما تمّ استفزازها.
وبصفة عامّة، يمكن القول أنّ الجمهور المستهدف هو الشباب المكتئب أو المنفصل عن روابطه الاجتماعيّة العائليّة والذي يدفعه الشعور بعدم التوافق مع المحيط المعتاد نحو البحث عن حلول بديلة لأزمته النفسيّة الاجتماعيّة. وكما تشير بعض الدراسات، فإنّ بعض الفترات أكثر ملاءمة لما يسمّيه البعض «العدوى النِّحَلِيّة» (Contamination sectaire)([38])، وهي الفترات المتميّزة من جهة أولى بمعايشة إخفاق مدرسي أو جامعي أو مهنيّ (الانقطاع عن الدراسة، البطالة المميّزة لأصحاب الشهادات) أو صدمة عاطفيّة نتيجة الانفصال عن شريك أو طلاق الأبوين، ومن جهة ثانية، باهتزاز البنية العائليّة أو المجتمعيّة في خضمّ نزاعات مجتمعيّة عامّة على غرار ما تعيشه بلادنا حاليّاً من زخم ثوري وتغيّر على مستوى سلّم القيم الفرديّة والجماعيّة، وهو ما يقلّص الروابط العاطفيّة ويخلق نوعاً من اللاّمعياريّة (Anomie)([39]) الشاملة أو الجزئيّة (الإضرابات المطولّة، الاعتصامات، قطع الطرقات، الاغتيالات السياسيّة، الصعوبات الاقتصاديّة، انعدام الثقة في المستقبل، الخ). إلاّ أنّه لا يندر أن توجد استثناءات لهذا التوصيف العامّ، فلا تنطبق جميع هذه المواصفات على بعض المنتمين، وهم عموماً أولئك الذين يغدون حجّة دعائيّة متميّزة للجماعة على حسن تربيتها لعناصرها وإحاطتها بهم ورعاية مواهبهم.
ومن وجهة نظر علم نفس الضحيّة، فإنّه لا يمكن فهم حركيّة الجماعة إلاّ من خلال الإحاطة بالسّمات العامّة للمستهدَف بالدّعوة. ذلك أنّ تقنيات الاقتراب لا يمكن تطبيقها إلاّ على فئة معيّنة من الأفراد المتميّزين بخصائص نفسيّة محدّدة. ومن وجهة نظر علم النِّحَل المرضي (Pathologie sectaire)، فإنّ «بعض» الأفراد فحسب لديهم «قابليّة التنحّل» (الانتماء إلى نحلة)، وللأسف فإنّ القيام بدراسة ميدانيّة حول هذا الموضوع أمر يصعب تنفيذه حاليّاً، إذ يتطلّب مثل هذا الأمر قبول عدد كبير نسبيّاً (لا يقلّ عن 200 مستوجب) من المنتسبين للسلفيّة إجراء مقابلات والخضوع لإجراءات استبيان علميّ، وهذا ما لا يقبله الكثير منهم علاوة عن استحالته ميدانيّاً. على أنّ ما توفّر لدينا من معطيات نتيجة ما قمنا به من مقابلات اعتمدت تقنيه المحادثة الفرديّة لبضع عشرات من منتسبي تلك الجماعات لم يخلُ من بعض الفائدة. فقد أمكن لنا التعرّف على المعطيات التالية:
·          ينتمي معظم المنتسبين في الغالب إلى شرائح اجتماعيّة فقيرة أو متوسّطة، ونادراً إلى شرائح ميسورة.
·          معظم المنتسبين من ذوي التعليم الإعدادي أو الثانوي من غير شعبة الآداب (علوم، تصرّف، إعلاميّة، رياضيّات) وقليل منهم من ذوي المؤهّلات الجامعيّة في اختصاصات علميّة وتقنيّة. ويلاحظ هنا غياباً شبه كلّي لدارسي شُعَب العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة (فلسفة، تاريخ، علم نفس، علم اجتماع، الخ)، وهذا ما يتوافق مع دراسات غربيّة حول الارتباط بين المستوى الثقافي ونوعيّة التعليم وبين درجة التديّن في المجتمعات الأوروبيّة ([40])، وكذلك مع النتائج التي توصّلت إليها بعض الدراسات الاجتماعيّة في تونس ([41]).
·          يمثّل الانتماء إلى الجماعات السلفيّة إجابة على النزاعات الاجتماعيّة والعائليّة التي يجابهها المنتدب، إذ تغدو الجماعة ملاذاً يحميه من الاعتداء ويقدّم نوعاً من الاستجابة لمطلب تحقيق الذات الاجتماعيّة الذي يظهر منذ بدايات فترة المراهقة، ونكون هنا إزاء مرور من بنية عائليّة حامية لكنّها بصدد التفتّت بفعل النزاعات أو غير متلائمة مع انتظارات المراهق، إلى  بنية نِحَلِيّة توفّر الملاذ النفسي الآمن لفترة من الزمن بما يولّد الإحساس بالولادة من جديد ضمن إطار عائلة تغدو بديلاً عن العائلة الأصل وعن المجتمع وما يتضمّنان من شرور هي السبب في التمزّق النفسي الذي عوّضته الجماعة باطمئنان عميق.
·          تمثّل الانفعاليّة المفرطة والحساسيّة المفرطة عوامل مساعدة على الانتماء إلى الجماعات السلفيّة.
·          توجد صعوبات عند المنتدبين في الارتقاء إلى وضعيّة «الراشد اجتماعيّاً» (Adulte social)، وهذا ما توفّره الجماعة من خلال قبوله كـ«مؤمن مكلّف شرعيّاً» بإنجاز «ما يعجز عنه الرجال».
·          تظهر على عدد كبير نسبيّاً من الشباب المنتسب إلى الجماعات السلفيّة عوارض الاكتئاب، ويبدو ما يعانونه من إحساس بعدم التوافق الاجتماعي، إن لم يكن الإحساس بالتمرّد، وراء نزعتهم إلى العنف([42]).
·          يعاني أغلب المنتمين من إحساس بالخيبة الفرديّة أو العائليّة، ويتعمّق الإحساس بالعزلة بخاصّة عند الشريحة العمريّة بين 25 و30 عاماً.
ويمكننا بصفة عامّة استخراج أهمّ صفات المريد من خلال تحليل آليّتي التماهي والمحاكاة، حيث يجب على المنتمي كي يتمّ قبوله داخل الجماعة أن يجعل سلوكه مطابقاً لسلوك الآخرين (القُدوة)، ويستبدل التردّد الذي يَسِمُ الاختيار الحرّ بسلوكيّات آليّة على صورة سلوكيّات القُدوة، وهذا ما يجعل الفرد سريع الاستجابة لبعض المحفّزات لاقتناعه بوجود مهمّة سامية أناطت به الجماعة القيام بها، ومن هنا بعض «التهوّر» الملاحظ في ردود الفعل تجاه بعض مظاهر «الميوعة» و«الفساد» و«عدم الالتزام بالضّوابط الشرعيّة» في المجتمع...
6. التشريــــط
يتمّ استبدال المرجعيّات القديمة بأخرى جديدة من خلال تربية سلوكيّة تعتمد زرع الإحساس بالاغتراب وفرض مبدأ السمع والطاعة وزرع حبّ الاقتداء بالسّلف الصالح بالإطّلاع على سيرهم والتعمّق خاصّة في فقه الجهاد.
أ - زرع الإحساس بالاغتراب    
ويُعتمد في هذا، عدا تقنيات غسل الدماغ المعروفة، مرجعيّة نصيّة دينيّة من شأنها ترسيخ الإحساس بقلّة العدد والنصير وتعميق الشعور بالمظلوميّة شأن كلّ صاحب قضيّة عادلة وطالب حقّ، فقد «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»([43])، وهذا «النصّ هو نصّ الطائفة الدالّ على القلّة والغُربة وشدّة المعاناة من الأقربين والأبعدين» على حدّ تعبير أبي عياض التونسي([44]).
ب - الاقتداء
يمثّل الاقتداء (أو المحاكاة) أحد أهمّ آليّات التشريط التي تمحو فرديّة الفرد، فهي تستبدل الشكّ التي يتولّد عن الإرادة الحرّة بسلوكيّات آليّة تجسّمها محاكاة القدوة، لنكون إزاء ما يشبه «إعادة القولبة النفسيّة» (Remodelage psychologique) التي تخلق شخصيّة جديدة أكثر تلاؤماً وتواؤماً مع حركيّة الجماعة. بل إنّ المحاكاة تخلق رغبة لدى الشباب في التسابق نحو التماهي بأقصى سرعة وأمثل طريقة مع الشيخ/القدوة أو السلف الصالح المجاهد، هذا إن لم تُسقط صورة السلف الصالح على الشيخ الحيّ، فيغدوان شخصاً واحداً مؤمثلاً. وتقود عمليّة الأمثلة إلى إنشاء صورة خارقة القوّة، بل وفوق بشريّة، ليست سوى عودة صورة «الأب الأَرَخِيّ» ([45]) التي تعمل من خلال قوّة الواحد المثالي، على تحشيد الأفراد خالقة اكتمالاً وهميّاً يمكن أن يؤدّي بهم إلى ارتكاب الأسوأ، وذلك بسبب إنشائها نفس الجسم القويّ على مستوى الخيال([46]) وتخلق رغبة جامحة في التماهي معه من أجل التحقّق فيها بدل تحقيق الذات. ونلاحظ أنّ الجماعات السلفيّة تستخدم في هذه السبيل نفس الأساليب الكلاسيكيّة المستخدمة في الدعاية:
·       استخدام القوالب الذهنيّة الجاهزة (Stéréotypes) التي تستغلّ النزوع العامّ للأفراد نحو التعميم وإسقاط الرغبات على متخيّل جماعي.
·       استبدال الخطاب الديني السائد بخطاب خصوصي يميّز الجماعة يعتمد مصطلحات خاصّة بها قد تكون مشتقّة من اللغة السائدة لكن يتمّ شحنها بمعانٍ خصوصيّة (التوحيد، الاحتطاب، الولاء، الإنهاك، التمكين، الولاء، المفاصلة، التوحّش، إلخ).
·       ترديد أفكار محدّدة أو التذكير الدائم بأحداث ووقائع وتواريخ معيّنة من أجل ترسيخها أو ترسيخ معانيها المنتقاة بدقّة.
·       التأكيد الدائم على صحّة أفكار الجماعة وطروحاتها مقابل الحثّ على نبذ الأفكار المخالفة.
·       تعيين عدوّ نمطي للجماعة يلعب دور كبش الفداء (الطاغوت أو العدوّ القريب من حكّام ورجال شرطة وعساكر، والعدوّ البعيد من صليبيّين ويهود وشيعة ومرجئة ومداخلة أو أيّ جماعة أخرى مخالفة في الدين أو العقيدة).
·       التأكيد على المرجعيّة الدائمة للشّيخ/القائد/السلف بوصفه مصدر الحقيقة الوحيد.
ج - تعلّم فقه الجهاد
«ومن وسائل خدمة الجهاد والمجاهدين تعلّم فقه الجهاد والمسائل الفقهيّة المتعلّقة به»([47])، وهذا يتمّ من خلال: المطالعة الشخصيّة الورقيّة والالكترونيّة، والمطالعة الجماعيّة خلال الخرجات، والخطب، والدروس، والدورات التعليميّة المتخصّصة، بل إنّه «يلحق بتعلّم فقه الجهاد قراءة كلّ شيء يلحق بتأصيل علم الجهاد ومنهج الجهاد ممّا يكون فيه كشف اللّبس وإزالة الشُّبَهِ التي على الجهاد» ([48]). ويتمّ هذا بقراءة الكتب التي خطّها مشائخ «العلم الشرعي» المعترف بهم في هذا المجال، ومنها كتب: عبد الله عزّام، ويوسف العييري، وأبو محمّد المقدسي، وأبو قتادة، وعبد القادر عبد العزيز، والرسائل العلميّة المتعلقة بالجهاد ومنها: الجهاد والقتال في السياسة الشرعيّة لمحمّد خير هيكل، وأحكام المجاهد بالنفس في الفقه الإسلامي لمرعي المرعي.
د - التقنيات النفسيّة للتّشريط
وتشمل: تعلّم لغة جديدة مخصوصة (التحيّة، الدعاء، إلخ)، فرض مبدأ الطاعة، تغيير المظهر والملبس (الزيّ الأفغاني، الزيّ القتالي، اللحية، غطاء الرأس، النقاب، إلخ)، التقيّد الصارم بغضّ البصر وعدم الاختلاط إلاّ بمحرم وبالمحدّدات الفقهيّة الصارمة للجنسانيّة، التقيّد بالتّحديدات المجاليّة والزمنيّة (الإلتزام بمسجد مخصوص وحضور الصلوات في مواقيتها وخاصّة صلاة الصبح)، فقدان الإسم (أبو فلان أو أمّ فلان بديلاً من الاسم العائلي)، العزل النفسي الاجتماعي (البراء)، تعزيز الانتماء للجماعة (الولاء).
هـ - التقنيات الجسميّة للتّشريط
وتشمل: التدريب البدني (رفع الأثقال والرياضات القتاليّة بوجه خاصّ)، التدرّب على السلاح بأنواعه وعلى صنع المتفجّرات والألغام والمفخّخات، الحرمان من الأكل والشرب (الصوم: في رمضان، يومي الاثنين والخميس، الأيّام البيض، وصوم الكفّارات، إلخ)، الحرمان من النوم (التهجّد، قيام الليل، صلاة الفجر)، العمل الشاقّ (الأعمال التطوعيّة)، العزل الحسّي (عن الصورة والصوت والرائحة والمذاق واللّمس: الجنس الآخر بالخصوص، ثمّ التلفزيون والإذاعة والسينما والتصوير والحفلات والمقاهي، الخمور وما في حكمها، اعتماد عطور خاصّة، اللجوء إلى مداواة الأجسام بالرّقية الشرعيّة والطبّ النبوي وحبّة البركة، الخ)، العزل المجالي (بين الجنسين في المجالس عموماً وحتّى في الفضاء الخائلي على الأنترنت، وبين المنتمين وغير المنتمين في حلقات الدرس وجلسات الاستذكار)، العزل الزمني (استبدال الزمن الفيزيائي بالزّمن الشرعي، فيتمّ حساب الوقت بأوقات الصلوات والتواريخ بمواعيد الأعياد الدينيّة، واستبدال التاريخ الموضوعي الخطّي بتاريخ أسطوري دائري حيث لكلّ حادث سابقة وحكم شرعي سابق الوضع ينطبق عليه أو يحايثه في القياس).
خلاصـــة وتوصيـــة
يمكن في ختام هذا البحث المبتسر الخروج بخلاصة ذات منحى نفسي اجتماعي تفهّمي وأفق سياسي إجرائي، وهما وجهان متشابكان لمسألة حارقة ولا محيد لاعتبارهما في أيّ عمل استشرافي مستقبلي يتناول السلفيّة الدينيّة في عمومها، وخاصّة في مظهرها الاحترابي الأقصى الممثّل في الفصيل الجهادي، ولا يخلوان من توصية بضرورة مواصلة الجهد التفهّمي للتيّار السلفي وأهميّة البحث العلمي الرصين في سياقاته المخصوصة المحليّة منها والعالميّة، باعتبار راهنيّة المسألة من جهة، وتداعياتها الخطيرة إن أُسيء فهمها أو التعامل معها من جهة أخرى.
فمن وجهة التحليل النفسي الاجتماعي، يمكن القول بأنّ شباب التيّار السلفي يعاني من فقر مزدوج ذي ثلاثة أبعاد: فقر مادّي اقتصادي، وفقر معرفي تعليمي، وفقر دينيّ روحي.
فمعظم المستجوبين من أوساط اجتماعيّة حضريّة فقيرة هشّة وضعيفة من قاطني الأحياء الشعبيّة الهامشيّة على تخوم المدن، يعانون الاكتظاظ وتدنّي الخدمات وبؤس البنية التحتيّة، ممّا يسبّب الشعور بالتّهميش الاجتماعي والإحباط النفسي.
وهم في الغالب من ذوي المستويات التعليميّة المتدنّية، ما يساعد على سرعة اعتناق «إيديولوجيا خلاصيّة» توهمهم بامتلاك حقيقة الدين والدنيا كما صاغها السلف الصالح مرّة واحدة وإلى الأبد.
ويؤدّي الفقر المادّي والمعرفي إلى العجز عن التسامي والنظر إلى الحياة في شموليّتها، أي إلى فقر روحي يضاف إلى الفقر المادّي والعجز عن تلبية المتع الماديّة وملذّات العيش، ومن هنا السعي الحثيث إلى قمع الرغبات الحسيّة وتأجيل إشباعها في حياة أخرى يقود إليها الجهاد في معناه المبتسر والمختزل في «الموت في سبيل الله» أو تحقيقها المؤجّل إلى حين تطبيق «الشريعة».
إنّنا إزاء شباب يعيش على التخوم والهوامش: على هامش المراكز الحضريّة، وهامش الثقافة العالمة، وهامش الاقتصاد الرسمي، وهامش الملذّات التي تنظّمها الدولة وتحتكرها الفئات الحضريّة المحظوظة. ومن هنا الالتجاء إلى اختراق المركز الحضري العصيّ من خلال الانتصاب الفوضوي في قلب المدن واعتماد طرائق الاقتصاد اللاّشكلي وغير الرسمي، واعتماد سوق ملذّات «موازية» (الزواج العرفي، وسائل الزينة، طرائق الاحتفال) ومخالفة «المخالف» في مختلف أوجه تسلّطه: الشكلانيّة الدولانيّة والسلوكيّة الدينيّة منها والأخلاقيّة...
إنّهم شباب مهمّش في مجال حضريّ مهمّش لا يرى في الدولة والمجتمع إلاّ وجههما التسلّطي الإقصائي، ولا سبيل إلى ردّ العنف المادّي والرمزي للدّولة والمجتمع إلاّ بعنف آخر يوازيه في القوّة ويهزّه في العمق، هو عنف النفي الرمزي (الولاء والبراء) المستوجب «تكفير» المجتمع واعتبار الدولة «طاغوتاً»، وعنف النفي المادّي (الجهاد) المستوجب «الهجرة» من المجتمع الجاهلي، و«الخروج المسلّح» على مؤسّسات الدولة: محاربة «توحّش» المجتمع والدولة الفعلي المؤدّي إلى إقصاء فئة بتوحّش مفتعل يعتمد «النكاية» في المجتمع و«إنهاك» الدولة، وصولاً إلى «التمكين» لتلك الفئة المظلومة المستضعفة المؤمنة بقانون إلهي في إحقاق الحقّ {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ}(القصص، 5) وحتميّة الانتصار على أعداء الإسلام في الداخل والخارج ممّن {اسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ} (فصّلت، 15)...
إنّهم يحمّلون الآخر القريب دولة ومؤسّسات وأحزاباً ونقابات وأغنياء ما يعانون من حرمان، ويحمّلون الآخر البعيد (الغرب) مسؤوليّة الظلم المسلّط على المسلمين بوصفه حرباً يهوديّة وصليبيّة ضدّ الإسلام وأهله (في فلسطين والعراق والشيشان والبوسنة والشام، الخ).
«إنّها إرادة موت تعبّر عن رغبة في التخلّص من حياة لا تُطاق»، لكنّ مُعبّرة في العمق عن «إرادة حياة، عن إرادة حياة أخرى، حياة لائقة، كريمة، إنسانيّة» ([49]) في عالم لا إنساني وفي وطن غير عادل تجاه مواطنيه.
ونأتي هنا إلى الوجه السياسي للمسألة، فنقول إنّ السلفيّة الجهاديّة وإن فقدت من الناحية الإيديولوجيّة داعماً أساسيّاً يتمثّل في مناخ القمع والاستبداد الذي كان سائداً قبل الثورة، ولئن مكّن انفتاح مجالات التديّن والعمل الحرّ أمام الحركات الدينيّة السياسيّة الكثير من الأفراد من ولوج العمل الجمعيّاتي المدني والانتظام السياسي الحزبي، ولئن مكّنت الحوارات والنقاشات الدينيّة العامّة من تخفيف حدّة الظاهرة، إلاّ أنّ عوامل انتشارها وفعاليّتها ما تزال موجودة. فعدم الاستقرار السياسي واستمرار مناخ التهميش والإقصاء لفئات من المجتمع من شأنها تغذية الاندفاع نحو تبنّي الإيديولوجيا السلفيّة وخاصّة تعبيرتها القصوى الجهاديّة. ومن هنا، فإنّ الابتعاد عن الحلّ الأمني، إلاّ في الحالات القصوى والعاجلة والمحدودة التي تستوجبه، والعمل على الإحاطة الجادّة بالشّباب المهمّش والطرح الجدّي على مستوى القيادات السياسيّة لمسائل التشغيل والتحضّر الهامشي والتوزيع العادل للثروات، من شأنها أن تسهم في تقليص انتشار هذا التوجّه دون أن تتمكّن - في المدى المنظور على الأقلّ - من القضاء عليه نظراً للظروف الموضوعيّة المحليّة والإقليميّة والدوليّة التي تشجّعه.


نُشر هذا البحث في: السلفيّة الجهاديّة في تونس - الواقع والمآلات، منشورات المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجيّة، تونس، ديسمبر 2014، صص 193-229.




[1]  - نتحفّظ عن ذكر الأسماء لأسباب معلومة.
[2]  - ابن منظور (أبو الفضل، جمال الدّين، محمّد بن مكرم بن عليّ)، لسان العرب، تحقيق: هلال مصيلحي ومصطفى هلال، ط 1، دار صادر، بيروت 1990، العرب، ج 9، ص 158.
[3]  - ابن حزم الأندلسيّ (أبو محمّد، عليّ بن أحمد بن سعيد)، الفِصَل في الملل والأهواء والنّحل، القاهرة 1317 هـ.
[4]  -  الشهرستاني (محمّد بن عبد الكريم بن أبي بكر)، الملل والنحل، تحقيق : محمّد سيّد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، 1984.
[5]  - القفاري (ناصر بن عبد الله)، مقدّمة في المِلَل والنِّحَل، مدار الوطن للنّشر والتوزيع، الرياض، 2006، ص 9.
[6]  - جود (أحمد بن عبد اللهعلم المِلَل ومناهج العلماء فيه، دار الفضيلة، الرياض، 2005، ص 20.
[7]  - انظر بالخصوص:
Séguy (Jean), « Ernst Trœltsch, ou de l'essence de la religion à la typologie des christianismes », Archives des sciences sociales des religions, Vol. 25, n° 25, pp. 3-11, Paris, 1968.
[8] - انظر بالخصوص:
Penner (Harold), Meaning, Mystery, Method, and Mystagogy according to Reinhold Niebuhr, Boca Raton, Florida, USA, 2010.
[9] - Durkheim (Emile) : De la division du travail social , Paris, P.U.F, 8ème édition, 1967, pp.319 - 342.
[10]  -  من الفرضيّات المغرية بالبحث اعتبار التيّار السلفي عموماً بشقّه الجهادي حركة اجتماعيّة. ومن المتّفق عليه تقريباً أن تكون الحركة الاجتماعيّة في بداية نشأتها ضعيفة التنظيم ينقصها التحديد الواضح من حيث الشكل والأهداف، ولكنّها لا تلبث أن تأخذ الطابع المنظّم من حيث القيادة وتقسيم العمل والقيم والأهداف كي تتميّز عن غيرها من الحركات الاجتماعيّة الأخرى. إلاّ أنّ مثل هذه الفرضيّة هي من الاتّساع بحيث يمكنها استيعاب ما يسمّى "تيّار الصحوة الإسلاميّة" برمّته في سياقها، ولا تمكنّنا بالتّالي من إنجاز تحليل ميكروسوسيولوجي لظاهرة السلفيّة في سياقاتها المحليّة، وهو ما نرى أنّه المفتاح الذي يمكننا أن نفهم من خلاله عمليّات التعبئة. أضف إلى ذلك أنّ من مهامّ الحركة الاجتماعيّة: الوساطة بين مجموعة من الناس من جهة والأبنية والحقائق الاجتماعيّة من جهة أخرى، وتوضيح الضمير الجمعي أي حالة الجماعة التي تكشف عن نفسها أو مصلحتها وأين تكمن هذه المصلحة، ومن ثمّة الضغط على الأشخاص الذين بيدهم مقاليد الحكم؛ وهذا ما لا يتوفّر بداهة في الظاهرة التي نروم دراستها.
[11] - الصفحة الرسميّة لأنصار الشريعة بتونس على الفايسبوك: https://www.facebook.com/ansar.shariaa.tunisia?fref=ts

[12]  - من أهمّها وأكثرها تأثيراً ورواجاً: منبر التوحيد والجهاد، ثورة الطلبة، صدى الأنصار، الهيئة الشرعيّة لمجلس الشورى والدعوة، أنصار الشريعة والجهاد...
[13]  - نصّ البيان: "إنّ التعويل على الشعوب مغالطة يفنّدها النصّ والواقع وإن قال بالحاضنة هؤلاء الأفاضل (سيف العدل، أبو زبيدة، أبو مصعب السوري... وغيرهم) حيث دلّت التجارب وسنن الله في الكون أنّ الشعوب كالمرأة إن أحسنتَ إليها الدّهر كلّه ثم رأتْ منك شيئاً قالت: ما رأيتُ منك خيراً قطّ... والنصّ هو نصّ الطائفة الدالّ على القلّة والغُربة وشدّة المعاناة من الأقربين والأبعدين... ولا يعني هذا أنّ نُهمل جانب الدعوة على أن تكون النيّة إخراج الناس من الجاهليّة لا الاعتماد عليهم كحاضنة. فتجارب التاريخ المعاصر أكبر دليل على ذلك... مع أنّي لا أنفي وجود الخير في البعض ولكن قليل ما هُم... أقول هذا حتّى لا تستغرقنا هذه التنظيرات لتَصْرِفنا عن الأهمّ وهو القيام بوظيفة الطائفة المنصورة بإذن الله... فالخير كلّ الخير لا يكون إلاّ مع القلّة... نعم نستفيد من التنظير والإبداع لكن يجب علينا أن نُدرك إدراكاً كاملاً أنّه لا يمكن لما يُنَظَّر له أن يكون واقعاً معاشاً، لأنّ التنظير جامد لا حراك يعتريه في حين أنّ الجهاد حركة متسارعة يعترضها من النوازل ما لا يخطر على بال اللبيب... فلننتبه حفظكم الله".
[14]  - ممّا يسترعي الانتباه صدور هذا البيان متزامناً مع بيان تنظيم أنصار الشريعة الذي لم يشر إلى "المفاصلة"، فهل هو رأي شخصي خاصّ بأبي عياض لم توافق عليه قيادة التنظيم ؟ وهل نحن إزاء بوادر انشقاق ؟
[15]  - يرى أبو مصعب السوري أنّ النموذج المركزي لإدارة الجهاد لا يمكن أن يتغلّب علي الجيش الأمريكي بمعدّته التقنيّة وأسلحته المتقدّمة، وأنّ التحالفات الأمنيّة الإقليميّة مثل التحالف بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة وباكستان يعرّض النموذج المركزي للخطر. ويجادل بأنّ اللامركزيّة تجعل السرايا الجهاديّة في مأمن من الاكتشاف. وعليه، فإنّ تشخيص أبو مصعب السوري يعني أن المقاتلين عليهم أن يقوموا بالتّدريب في معسكرات إقليميّة متحرّكة. فهل كانت محاولة جبال الشعانبي من أجل إقامة قاعدة تدريب فحسب ؟
راجع: أبو مصعب السوري (مصطفى بن عبد القادر ستّ مريم نصّار، المعروف أيضاً بعمر عبد الحكيم)، دعوة المقاومة الإسلاميّة العالميّة، دون ذكر دار النشر، ديسمبر 2004.
[16]  - ناجي (أبو بكر)، إدارة التوحّش: أخطر مرحلة ستمرّ بها الأمّة، مركز الدراسات والبحوث الإسلاميّة، دون تاريخ نشر.
والتوحّش هي حالة الفوضى التي تدبّ في أوصال دولة أو منطقة بعينها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة. ويعتقد أبو بكر ناجي (وهو شخصيّة غامضة قد تكون لضابط مصري، هو سيف العدل، منسّق الشؤون الأمنيّة والاستخباراتيّة في تنظيم القاعدة، أو محمّد خليل الحكايمة المعروف بأبي جهاد المصري أحد منظّري تنظيم القاعدة بسبب تشابه الأسلوب) أنّ هذه الحالة من الفوضى ستكون "متوحّشة" وسيعاني منها السكّان المحلّيون، لذلك وجب على القاعدة -التي ستحلّ محلّ السلطات الحاكمة تمهيداً لإقامة الدولة الإسلاميّة- أن تحسن "إدارة التوحش" إلى أن تستقرّ الأمور، بمعنى أنّه يتعيّن علي المجاهدين إن هم سيطروا على إحدى المناطق إقامة إمارة عليها لتطبيق الشرع ورعاية مصالح الناس فيها من طعام وعلاج، في حين تتولّى القيادة العليا (المركزية) التنسيق بين تلك المناطق وترتيب الأولويّات.
[17]  - "مهمّات إدارة التوحش في الصورة المثاليّة التي نرومها، والتي تتّفق مع مقاصد الشرع ، هي :
  • نشر الأمن الداخلي.
  • توفير الطعام والعلاج.
  • تأمين منطقة التوحّش من غارات الأعداء.
  • إقامة القضاء الشرعي بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحّش.
  • رفع المستوى الإيماني ورفع الكفاءة القتاليّة أثناء تدريب شباب منطقة التوحّش وإنشاء المجتمع المقاتل بكلّ فئاته وأفراده عن طريق التوعية بأهميّة ذلك.
  • العمل على بثّ العلم الشرعي[الأهمّ فالمهمّ] والدنيويّ [الأهمّ فالمهمّ].
  • بثّ العيون واستكمال بناء إنشاء جهاز الاستخبارات المصغّر.
  • تأليف قلوب أهل الدنيا بشيء من المال والدنيا، بضابط شرعي وقواعد معلنة بين أفراد الإدارة على الأقلّ.
  • ردع المنافقين بالحجّة وغيرها وإجبارهم على كبت وكتم نفاقهم وعدم إعلان آرائهم المثبطة ومن ثمّ مراعاة المُطاعين منهم حتى يُكَفَّ شرّهم.
  • الترقّي حتّى تتحقّق إمكانيّة التوسّع والقدرة على الإغارة على الأعداء لردعهم وغنم أموالهم وإبقائهم في توجّس دائم وحاجة للموادعة.
  • إقامة التحالفات مع من يجوز التحالف معه ممّن لم يُعْطِ الولاء الكامل للإدارة.
انظر: ناجي (أبو بكر)، إدارة التوحّش، م.م.س، ص 11.
[18]  - أبو شادية، التيّار الجهادي بين تفكيك الدولة وتركيب الخلافة: وصيّة أسامة الشهيد، شبكة الجهاد العالمي بتاريخ 31/12/2012 على الرابط:
[19] - ينحصر السلف الصالح عموماً في الأجيال الثلاثة الأولى للمسلمين، أي أصحاب النبيّ عليه السلام وجيل التابعين وتابعي التابعين، حسب الحديث القائل:"خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ". وبذلك تمتدّ هذه الفترة من زمن نزول الوحي (610 م) إلى وفاة أحمد بن حنبل (855 م)، ويغطّي كلّ جيل ما يقارب 80 سنة.
و»السلف الصالح« عند منظّري السلفيّة الجهاديّة هم أولئك الذين »نواليهم ونوالي من والاهم وأَحبّهم، ونعادي من عاداهم وأَبغضَهم، ونلعن من لعنهم... الطعن بهم هو طعن بالدّين... وطعن بكتاب الله... وطعن بسيّد الأنبياء والمرسلين... من سلك طريقهم ومنهجهم والتمس فهمهم، فقد رشد ونجا، ومن يُشاقّهم ويتبع غير منهجهم وسبيلهم فقد ضلّ وغوى... ونعتقد أنّ خير القرون بعد قرن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه... قرن التابعين لهم بإحسان؛ القرن الثاني والثالث... ثمّ يفشو الكذب«. انظر:
أبو بصير الطرطوسي، هذه عقيدتنا وهذا الذي ندعوا إليه، www.abubaseer.bizland.com،  10 مارس 2002.
وانظر بخصوص الحديث: البخاريّ (أبو عبد الله، محمّد بن إسماعيل)، الجامع الصّحيح المختصر، تحقيق: مصطفى ديب البغا، ط 3، دار ابن كثير للنّشر، بيروت 1987، الحديث رقم  819؛ مسلم (أبو الحسين، مسلم بن الحجّاج القشيري النّيسابوريّ)، الجامع الصّحيح، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت 1987، الحديث رقم  6151).
[20]  - ويمتدّ هذا الطيف في الجهاديّة المسلحة إلى حدّ اجترار قالب الدعوة-الهجرة-الجهاد ميدانيّاً. فقد نشّط مؤسّس جماعة التكفير والهجرة، شكري مصطفى، هذا النموذج عمليّاً عبر تكوين جماعات في كهوف منزوية بعيداً عن مدن مصر الجاهلة الآثمة. ويرى المجاهدون المتعاطفون مع أسامة بن لادن أنّ مسيرته متطابقة مع النمط الثلاثي للدّعوة (التبرّؤ من الكفّار السوفيات والأمريكان) والهجرة (إلى السودان وأفغانستان) والجهاد (ضدّ السوفيات والأمريكان). كما يؤوّل أيمن الظواهري مسيرة حياته وفقاً لذات النمط. انظر: الظواهري (أيمن)، فرسان تحت راية النبيّ، منبر التوحيد والجهاد، دون تاريخ ولا مكان نشر.
وانظر للتوسّع حول هذا الموضوع:
Ulph (Stephen), Towards a Curriculum for the Teaching of Jihadist Ideology, Part III, Chapter 4: The Ideology of Expansion. The Jamestown Foundation. Available online at:
 http://www.jamestown.org/uploads/media/Ulph_Towards_a_Curriculum_Part3.pdf .
[21]  - مُلين (محمّد نبيل)، علماء الإسلام: تاريخ وبنية المؤسّسة الدينيّة في السعوديّة بين القرنين 18 و21، ترجمة: محمّد الحاج سالم وعادل بن عبد الله، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، بيروت، 2011، ص 21.
[22]  - الرحموني (محمّد)، الدين والإيديولوجيا: جدليّة الديني والسياسي في الإسلام وفي الماركسيّة، دار الطليعة، بيروت، 2005، ص 16.
[23]  - يلاحظ وجود تماثلات مع الحركات الشموليّة والفاشيّة الأوروبيّة. انظر للمقارنة: أولف (ستيفن)، الإسلامويّة والشموليّة: مقارنة العطوبة، ترجمة: جهاد الحاج سالم، على الرابط:
[24]  - أبو داود (سليمان بن الأشعث بن إسحاق السّجستانيّ الأزديّ)، السّنن، تحقيق: محمّد محيي الدّين عبد الحميد، ط 4، دار الفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، د.ت، كتاب الجهاد، الحديث 2787.
[25]  - "لهذه الغريزة الأساسيّة أهميّة معتبرة بالنّسبة للمحاولة الإيديولوجيّة المضادّة. فإذا كان المشروع السياسي للإسلامويّين مسعىً إلهيّاً محضاً كما يدّعون، فإنّه ينبغي أن يكون عندها إسلاميّاً من ألفه إلى يائه. لذلك، إن أمكن البرهنة على أنّ عقليّة الإسلامويّين وميولهم تفتقر قطعيّاً لمثل هذه الفذاذة، وإثبات أنّ الفكر الإسلامويّ يُبدي أنماط فكر متماثلة مع نُظُم سياسيّة وضعيّة وكُفريّة لا رابط يصلها بالإسلام، أو بالإيمان الديني أصلاً، فإنّ ادّعائه السير »على درب الله« سيُصاب إصابة بالغة، إن لم يكن في مقتل. وسيتوجّب على الإسلامويّين عندها أن يفسّروا سبب انتهاء نظامٍ مشرّع إلهيّاً إلى التشابه بشدّة مع بعض إيديولوجيّات أوروبّا القرن العشرين، الكُفريّة الشموليّة الجمعيّة، مثل الفاشيّات الإيطاليّة أو الألمانيّة أو الماركسيّة اللينينيّة".
انظر: أولف (ستيفن)، الإسلامويّة والشموليّة، م.م.س.
[26]  - نقول "التمايز" وفي ذهننا مقولة "التماثل" مع بعض الإيديولوجيّات المضادّة للمشروع السلفي الديني ذاته، و"لعلّ أشدّ تماثل [مع الإيديولوجيّات الشموليّة]... هو الهاجس الشمولي العامّ بالأصالة والدعوة إلى استعادة »القيم الصحيحة البِكْر«. فعلى نقيض التضمين الثقافي الضعيف للفاشيّة أو الماركسيّة اللينينيّة، يمكن للإيديولوجيا الإسلامويّة أن تستدعي موروثاً عقائديّاً طويلاً يمتدّ لأكثر من ألف سنة لتستمدّ منه عناصر تسند الحركة. وهو ما يزيد التلقين العقائدي شدّة ويضفي مرونة معتبرة على الإيديولوجيا". انظر:
Emilio Gentile, « Fascism, Totalitarianism and Political Religion: Definitions and Critical Reflections on Criticism of an Interpretation », in Roger Griffin (ed): Fascism, Totalitarianism and Political Religion, London, Routledge, 2005, p.33.
[27] - (René) Kaës, L'appareil psychique groupale : Construction du groupe, Dunod, Paris, 1976.
[28]- Durkheim : Les Formes élémentaires…, op. cit, p. 301.
[29]- نفسه، ص 306.
[30]- هذا ما يفسّر مثلا النّجاح المدوّي للأنظمة الشّموليّة في التّاريخين الحديث والمعاصر، فقد جاء اعتلاؤها سدّة الحكم في خضمّ أزمات اجتماعيّة اقتصاديّة أو عقب حروب أو ثورات تحرّر وطنيّ، أي في فترات «جَيَشَان اجتماعيّ» وتغيّر في القِيَم جعلت الشّعوب تبحث عن «مُنْقِذ» يجسّد طموحاتها وآمالها أو «مُلْهِم» تسقط عليه أحلامها ليعبّر عن «رسالتها الخالدة» ويؤدّيها عنها.
انظر لمزيد التوسّع: الحاج سالم (محمّد)، في التوظيف السياسي للمقدّس: قراءة إناسيّة، بحث مقدّم لندوة: المقدّس وتوظيفه، تونس – 19 و20 أفريل 2013.
[31]- Griffin (Roger), Fascism, Totalitarianism and Political Religion, Routledge, London, 2005, pp. 2-3.
[32]  - انظر بخصوص التماثلات بين حركات الإسلام الجهادي والحركات الماركسيّة الثوريّة:
 أولف (ستيفن)، تقديس السياسة أم تسييس المقدّس: مقاربة مقارنيّة، ترجمة: جهاد الحاج سالم، بحث مقدّم لندوة: المقدّس وتوظيفه، تونس – 19 و20 أفريل 2013.
وكذلك: الرحموني (محمّد)، الدين والإيديولوجيا: جدليّة الديني والسياسي في الإسلام وفي الماركسيّة، دار الطليعة، بيروت، 2005، ص 167 وما بعدها.
[33]  - فاستدماج فرد يعني اعتباره عضواً كامل العضويّة في الجماعة مع احتفاظه بسماته الشخصيّة، بينما يعني استيعاب شخص في جماعة سلفيّة إفقاده ملامح شخصيّته.
[34] -  Bellenger (Lionel), La Persuasion, Que Sais-je ? n° 2238, 3ème édition, Paris : P.U.F, 1992, p. 33.
[35] - Sillamy (Norbert), Dictionnaire de psychologie, Larousse, 2010, p.42.
[36] - Bouveresse (Jacques), in : Peut-on ne pas croire? Sur la vérité, la croyance et la foi, Agone , Paris, 2007, p.8.
[37] - Bronner (Gérald), L'empire des croyances, PUF, 2003, p. 27.
[38] - Abgrall (Jean-Marie), La mécanique des sectes, Paris : Payot & Rivages, 1996, p.119.
[39]  - في حالة اللامعياريّة، يفقد الأفراد المعايير الموجّهة لسلوكهم، وتضحي انتظاراتهم بلا سقف. وهذا ما يخلق حالات إحباط يمكن أن تؤدّي في الحالات القصوى إلى الانتحار. وبالنسبة لإميل دوركهايم، فإنّ الانحراف هو نتيجة اللامعياريّة بوصفها وهن المعايير (الأخلاقية والدينية والمدنية، ...) وما يرتبط بذلك من شعور بالاغتراب والحيرة. ويؤدّى تدهور القيم إلى تراجع النظام الاجتماعي، إذ تضحي القوانين والأنظمة عاجزة عن الضبط الاجتماعي، وهذا ما يقود الفرد إلى الشعور بالخوف وعدم الرضى، فينطلق في محاولة تحقيق رغائبه بلا حدّ وخارج كلّ رقابة اجتماعيّة.

Cf. Durkheim (Émile), Le suicide. Étude de sociologie, Paris: P.U.F, 2e édition, 1967, p. 288.
[40] - Stoetzel (Jean), Les valeurs du temps présent : une enquête européenne, P.U.F, 1983.
[41] - Zghal (Abdelkader) , « L'islam, les janissaires et le Destour », in : Tunisie au présent : une modernité au dessus de tout soupçon, CNRS, Paris, 1987, p.p 371 – 384.
[42]  - توصّل عالم النفس الأمريكي مارك غالانتر إلى أنّ 60 % من المنتمين إلى النِّحَل مصابون بالاكتئاب. انظر:
Galanter  (Marc), « The "Moonies": a psychological study of conversion and membership in a contemporary religious sect », American Journal of psychiatry, n° 136, 1979.
وللأسف، فإنّه لا توجد أيّ دراسة نفسيّة للمنتمين إلى الجماعات السلفيّة، وما نشير إليه هنا يبقى أمراً نسبيّاً ولا يمكن تعميمه نظراً لعدم تمثيليّة العيّنة التي اشتغلنا عليها.
[43]  - صحيح مسلم، م.م.س، باب بدأ الإسلام غريبًا، الحديث رقم 232.
[44]  - بيان أبي عياض بتاريخ 03 سبتمبر 2013، م.م.س.
[45]  - "الأب الأَرَخِيّ" (le père archaïque) شخصيّة أسطوريّة خارقة القوّة تسكن المخيال الإنساني، افترض فرويد وجودها في أصل البشريّة، وهي ما يجب أن تغالبه الحضارة بلا كلل، على المستوييْن الفردي والجماعي. بلا كلل، لأنّها لا تتوقّف عن الحضور باستمرار في حياة كلّ فرد وفي حياة الجميع. انظر:
Freud (Sigmund), Totem et tabou, trad. fr. in Œuvres complètes, tome XI, PUF, Paris, 1998, pp. 189-205.
[46] - Benslama (Fethi), « D’un renoncement au père », Topique, n° 85, 2004.
[47]  - السالم (محمّد بن أحمد)، 39 وسيلة لخدمة الجهاد والمشاركة فيه، 1424 هـ، دون ذكر دار النشر، ص 36.
[48]  - ن.م.س. وتنحصر طرق الجهاد التسعة والثلاثين في: تحديث النفس بالجهاد، سؤال الله الشهادة بصدق، الذهاب للجهاد بالنّفس، الجهاد بالمال، تجهيز الغازي، خلافة الغازي في أهله بخير، كفالة أسر الشهداء، كفالة أسر الجرحى والأسر، جمع التبرعّات للمجاهدين، دفع الزكاة لهم، المساهمة في علاج الجرحى، الثناء على المجاهدين وذكر مآثرهم ودعوة الناس لتقفّي آثارهم، تشجيع المجاهدين وحثّهم على الإستمرار، الذبّ عن المجاهدين والدفاع عنهم، فضح المنافقين والمخذّلين، دعوة الناس للجهاد وتحريضهم عليه، النصح للمسلمين وللمجاهدين، التكتّم على المجاهدين وإخفاء أسرارهم التي يستفيد منها العدوّ، الدعاء لهم، قنوت النوازل، متابعة أخبار الجهاد ونشرها، المشاركة في نشر ما يصدر عنهم من كتب ومطويّات، إصدار الفتاوى لمناصرتهم، التواصل مع العلماء والخطباء وإخبارهم عن أحوال المجاهدين، أخذ اللياقة البدنيّة، التدرّب على الأسلحة وتعلّم الرمي، السباحة وركوب الخيل، تعلّم الإسعافات الأوليّة، تعلّم فقه الجهاد، إيواء المجاهدين وإكرامهم، عداوة الكفّار وبغضهم، السعي لفداء الأسرى، نشر أخبار الأسرى والاهتمام بقضيّتهم، الجهاد الألكتروني، تخذيـل المشركين، تربية الأبناء على حبّ الجهاد وأهله، ترك الترف، مقاطعة بضائع العدوّ والحثّ على ذلك، عدم استخدام العمالة الحربيّة.
[49]  - عبد الصمد الديالمي، المدينة الإسلاميّة والأصوليّة والإرهاب، دار الساقي، بيروت، 2008، ص 152.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.