05 سبتمبر 2011

مقدّمات لا محيد عن درسها جيّدا لفهم التاريخ العربي... عبد الله العلايلي

عبد الله العلايلي رجل الإنجازات والمواقف والمشاريع المعرفية الكبرى- إسماعيل الملحم -

كثيرون كتبوا عن عبد الله العلايلي في حياته، وكتب غيرهم عنه بعد وفاته. عرّفوه كل من الزاوية الأكثر قرباً منه. مجدد في اللغة والفقه، متقدم في الموقف السياسي. يولي العقل أهميته القصوى من حيث علاقته بصوغ الأفكار والمعتقدات. ولما كان الفكر نتاج العقل فأولى به أن يتجه إلى المعرفة. العقل والفكر معاً يضعهما العلايلي في أرفع منزلة في سلم النشوء الإنساني. يصدر كتابه (أين الخطأ) بقوله: لنتساءل ثم لنعرف... فليس الفقيه من يحفظ قال وقيل، بل من يستخرج ويستنبط من القيل والقال. وحين يتصدى لكتابة التاريخ فهو يصدر عن منهج علمي واضح عِدده في أربع مراحل (التجميع، النقد، التأويل، صياغة القصة التاريخية). فسلك مسلكاً نقدياً علمياً للكتابة التاريخية رسم معالمه بأناة ووضوح في كتابه (تاريخ الحسين، نقد وتحليل)، فيه مقدمات لا محيدعن درسها جيداً لفهم التاريخ العربي.‏
وصفه صديق عمره الباحث والناقد الأدبي علي شلق بقوله: الشيخ العلايلي أصبح قيمة استعلت على المكان والزمان وصار لكل الداعين من الناس أبداً شاهد عصره ماكثاً فيه بقيم حضارية قلّما تتوافر لسواه من الجوانب الإنسانية والمواقف الصعبة. ثقف موسوعي... أغنى العربية بالفكر الإنساني... جريء، شجاع، صابر...‏
اجتمعت عنده المعارف الدينية والدنيوية، إذا صحت العبارة، فهو الفقيه العارف بفقه أئمة الفقه الأربعة (ابن مالك، الشافعي، أبي حنيفة، ابن حنبل، وبفكر ابن رشد والغزالي، وعلى الرغم من عدم إجادته للغات الأجنبية لم يمنعه ذلك من الاطلاع الواسع على أهم ما جاء به الفكر الغربي من معارف مختلفة المشارب متنوعة الاختصاصات.‏
ولد عبد الله العلايلي في مدينة بيروت عام 1914. وصف طفولته بقوله: "الكآبة كل طفولتي، فقد اتفق أن كانت أيام الحرب العالمية الأولى، أبصرت مقصلة الجوع والسغب، فلابد قد تغشتني الكآبة في أعماقي". لم تكن تلك السنوات سنوات رفاه، بخاصة في لبنان وقد اجتاحته الكوليرا، وألم به الجفاف. مات كثير من الناس بسبب الجوع أو بسبب المرض و بسببهما معاً. وكانت سنوات تنذر بالعواصف التي زلزلت المنطقة... وعاش الناس يحاصرهم الخوف والمرض وكابوس الحرب وسَوق الشباب قسراً إلى حرب لا مصلحة لهم فيها. تلقى تعليمه الأول في عدد من كتاتيب بيروت، قبل أن ينتقل إلى مدرسة الحرش التي أسستها وأشرفت عليها جمعية المقاصد الإسلامية، بقي فيها إلى عام 1924. بعد ذلك التاريخ سافر إلى مصر برفقة أخيه الأكبر مختار للدراسة في الأزهر إلى عام 1936 وحصل على شهادتها بدرجة العالمية. تعرف خلالها على العديد من أساتذة الأزهر ودرس على أيديهم علوم اللغة والدين. وكان كل منهم علم بذاته. يقول: "كان أكثر من يخلبني من يمكن أن يزاحم بركبتيه أمثال المبرّد وأبي العباس ثعلب، وهو سيد علي المرصفي الذي درس عليه الكامل للمبرّد".‏
هيأت له مرحلة وجوده بمصر أن يشاهد نشوء وصعود العديد من الحركات السياسية والفكرية فيها، وتفاعل مع الشارع المصري. وتهيأ له أنه حضر انعقاد المؤتمر البرلماني الإسلامي الذي كان جدول أعماله يتمحور حول قضية فلسطين.‏
بعد الأزهر انتسب إلى جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) ليدرس الحقوق بدءاً من عام 1937 إلى عام 1939. صدر له خلالها في عام 1938 كتابه الموسوم (مقدمة لدرس لغة العرب).‏
بسبب من ظروف الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945، ومن اشتداد ضغط حملات دول المحور واشتداد المعارك مع دول الحلفاء في شمالي أفريقيا وعلى الحدود المصرية الليبية وامتدادها إلى الصحراء الغربية عاد إلى لبنان. كانت بيروت في ذلك الحين تعيش الخوف الشديد من أن يحل بها ما حلّ في أثناء الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918. فكان شبح الجوع يهدد البلاد، والحالة الاجتماعية لا تسر أحداً. فبدأ مشروعاً في الكتابة تحت عنوان (إني أتهم)، تقبلها الناس وصارت أساساً للعديد من الحركات الاجتماعية والسياسية، كما أثرت في العديد من الحركات الأخرى.‏
كان يعد نفسه لإصدار خمسة وعشرين كراساً تحت هذا العنوان لكنه توقف عند الكراس السابع منها، وصدر أول كراس عام 1940. سببت له هذه الكراريس أن لاحقته سلطات الانتداب، لكن الشباب تجندوا لحمايته وحراسته. عمل منذ عودته إلى لبنان مدرساً وخطيباً في الجامع العمري الكبير لمدة ثلاث سنوات. وكان خطيباً بارعاً، انتشرت شهرته، وصار يجتذب الناس إلى خطبه، وصف ذلك الشيخ عبد الرحمن سلام بقوله: "أنا أستحث نفسي على أن أكون في مقدمة الحضورـ لحضور خطبه ـ لا لأستفيد فقط، بل لأرى أعجوبة الله في العلايلي.
إضافة لذلك عمل مدرساً في معهد المعلمين العالمي، وفي كلية الآداب بالجامعة اللبنانية، وفي الكلية الحربية. وعمل في تأليف الكتب الدينية والأدبية واللغوية. عدّ من كبار المعجميين واللغويين ومن الأوائل في الوطن العربي، وعمل في لجنة صوغ القاموس العسكري. وكان عضواً في عدد من المجامع العلمية العربية، منها المجمع العربي بسورية. كان عضواً في مؤتمر اتّحاد المجامع العربية المنعقد بدمشق ورئسه طه حسين وشارك فيه أحمد حسن الزيات ومنصور فهمي وجميل صليبا.‏
العلايلي شاعراً وعاشقاً:‏
أصدر مجموعة شعرية تحت عنوان (رحلة إلى الخلد) جمع فيها حوالي ألف وخمسمئة بيت، ترجم بعضاً من أبياتها إلى اللغة الفرنسية إلى جانب نماذج أخرى من الشعر العربي في عصوره المختلفة.‏
في مقابلة له مع (هدى سويد) يعترف بأنه هام حباً بفتاة فرنسية. كانت زميلة له في كلية الحقوق بالقاهرة وكانت تعيش بمصر بعد تخرجها أيضاً، وصفها بأنها فتاة إغريقية، وقال أنه كتب على مدى خمس سنوات قصائد كثيرة متغزلاً بها. ولم يخفِ مواطن الجمال فيها. كانت حلوة العينين، يقول:‏بعينيك شدو غريب النداء، أعن عبقري يخبرُ‏
أم الحسن فجّر إبداعه؟ فطاف به السحر يستفسرُ‏
تقولين وجهي ابتسام الربيع، وفي مقلتي جرى الكوثر‏
سألتك بالحسن لا توهمي فقلب الربيع غداً يفتر؟‏
وأنت انبثاق الحياة المديد ـ وفي كل آناته أنضرُ‏
وفي ظل أهدابك الحالمات، طيوف تضل وتستغفر
العلايلي والعروبة:‏
في كلمة له في تأبين (علي ناصر الدين) أحد مؤسسي عصبة العمل القومي، يقول: "علي ناصر الدين والعروبة كلمتان وعيت عليهما أول ما وعيت وانشقت عنهما يقظة الحس عندي، مثلما ينشق البرعم عن العبير والضوء".‏
يشبهه (علي شلق) برواد الثورة الفرنسية (مونتسكيو، فولتير، روسّو). فلم يكن الشيخ هامشياً بالنسبة لما يجري في ديار العروبة، بل كان شاهداً نابهاً في عرض رأيه وموقفه بكل جرأة وكبرياء ووعي الزمن. أول ما أطل على القضايا العامة كان بإصداره كتاب (سورية الضحية) هاجم فيه معاهدة 1937 التي وُقِّعت بين الحكومة السورية والحكومة الفرنسية وهي المعاهدة التي سقطت قبل أن يوقِّع أي من الطرفين عليها. كما صدر له في العام نفسه كتابه (فلسطين الدامية). وكان كتابه (دستور العرب القومي) حلقة في سلسلة اهتماماته بالقضايا القومية العربية, وكانت دعواته هذه ينشرها عبر كتبه وفي العامود الذي كان يحرر في جريدة (كل شيء) منذ عددها الأول آذار 1937 على 263 عدداً كان آخرها في الشهر الأول من عام 1953. وتقول مهى شحادة إنه مارس نشاطاته هذه في مختلف الأحزاب وعدّ صديقاً للعديد منها وكانت فترة الأربعينيات بالنسبة له مليئة بالخطب والكتابة في الصحف والمشاركة الفعالة من أجل التوجيه في مستقبل الوطن والخطة التي ينبغي أن ينتهجها ومحاربة الفساد.‏
خصص أحد كراريس سلسلته إني أتهم للتعريف بالحزب (أي حزب بشكل عام) وأهدافه. وكان عنوان هذا الكراس (الحزب بوتقة تصنع الأمة).‏
شارك في عصبة تكريم الشهداء التي تأسست في لبنان ورأسها قسطنطين يني وكان من قادتها علي ناصر الدين، وقد ألقى خطاباً باسمها عام 1946 جعلته في مواجهة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في لبنان بلهجة عنيفة. عمل مع حزب النداء إلى جانب كاظم الصلح وعلي ناصر الدين وغيرهما. كما شارك في إطلاق نشاطات عصبة العمل القومي التي رأسها على ناصر الدين إلى جانب كل من عماد الصلح وناظم القادري وفؤاد النكدي وفوزي الداعوق وبشير النكدي وزاهية أيوب. وشارك في انطلاقة الحزب التقدمي الاشتراكي مع كل من جواد بولس، البير أديب، كمال جنبلاط، جورج حنا صبحي المحمصاني وغيرهم. وكان الخطيب الأول في مهرجانات الحزب المختلفة. وأسس مع عبد الحميد كرامي جبهة التحرر الوطني مع عدد من المفكرين والسياسيين منهم الفرد نقاش ومحمد عمر بيهم وعبد الله المشنوق وكمال جنبلاط وجورج حنا ومحيي الدين النصولي. وشارك بفعالية في حركة أنصار السلم.‏
وسرعان ما كان يتخلى عن الانتساب إلى أحد الأحزاب دون أن يعاديه كونه كان نصيراً لكل تحرك مفيد. كان مؤمناً بالانقلابات الشعبية، منسحباً من تأييد الانقلابات العسكرية التي حدثت في الخمسينيات من القرن العشرين.‏
العلايلي معجمياً:‏
كان باكورة إنتاجه كتابه (مقدمة لدرس لغة العرب) الذي صدر عام 1938 وقد صدر في القاهرة. وكتب إسماعيل مظهر مقدمة الكتاب. وكان الكاتب بإصداره هذا الكتاب طموحاً، وقد لاقى الكتاب اهتمام عدد من أدباء العربية ولغوييها في حينه منهم الأب كونستانس الكرملي الذي أدلى بشهادته في هذا الكتاب بقوله: سيطر ـ أي الكتاب ـ على ذهن كل الباحثين اللغويين.‏
أما فؤاد أفرام البستاني فقال: إن طبقة من العلماء على رأسهم العلايلي لا تزال على سدانة هيكل التعبير.‏
عاد العلايلي عام 1954 يستأنف عملاً موسوعياً أسماه (المعجم) صدر منه بضعة أجزاء وتوقف، وقد قدم له بمقدمة نجتزئ منها قوله:‏
"واتخذت شعاراً لدرسي كله هذه الكلمة: ليس محافظةً التقليد مع الخطأ، وليس خروجاً التصحيح الذي يحقق المعرفة. فلا تمنعني غرابة رأي ـ أظن أنه صحيح ـ من إبدائه، لأن الشهرة لم تعد أبداً عنوان الحقيقة...".‏
وكان المؤلف الأساسي في مشروع لغوي فكري معجمي. صدر منه أربعة أجزاء من /336/ صفحة من الحجم الكبير غطت مواد ومداخل حرف الألف... ثم توقف المشروع ليستأنف في عام 1963 بالإعلان عن صدور (المرجع) بإصدار الجزء الأول ينهض على أساس سابقه (المعجم) وصلت صفحاته /736/ صفحة غطت مداخل الأحرف (أ، ب، ت، ث، ج) ولم يصدر أي جزء بعده وقد كان مقدراً أن يصل إلى أربعة مجلدات.‏
كثرت الاطراءات لكتابي المعجم والمرجع. يقول رمزي بعلبكي في مقال له بعنوان النظرية اللغوية عند العلايلي: "لسنا اليوم بحاجة إلى ابن منظور آخر يجمع المادة ويرتبها لتغني عن الاهتداء بنجوم المؤلفات السابقة، وإنما حاجتنا إلى صاحب نظرية مستقلة تنظر إلى ما آلت إليه اللغة، وتحدد طريقة النهوض بها باستنطاق في أصواتها وأبنيتها وتراكيبها، مع جرأة في وضع الأنموذج التطبيقي بعد عرض الأنظار وتوثيقها".‏
استهل (مارون عبود) كتابته عن معجم العلايلي بـ: "أعرني طرف زرقاء اليمامة/ لأبصر ما وراء تلك العمامة" في مقالة له نشرت عام 1954، جاء فيها، "وهكذا صار عندنا معجم كمعاجم أمم الأرض منظم ومنسق. فبعد أن كان معجمنا كدكاكين السمانة والعطارين، الأكياس مكدّسة، السكر حد الكبريت، والرز إلى جانب الشعير، و... صار لكل مادة قانون. فجر العلايلي الذرة اللغوية ولم يكلفنا معمله اللغوي قرشاً واحداً، حمل على عاتقه الأعباء حين هدم صروح المعاجم ليشيدها من جديد بحجارة أعمل فيها النحت والقلب والإبدال، فجاءت خدمته من أجل الخدمات وأسناها لأن اللغة هي العروة الوثقى... كنا نشكو من معاجمنا خلطها الحقيقة بالمجاز، فجاء من رتب ونظم وكلّف الكلمة جهدها. وبعدما كانت اللفظة مشاعاً حددت ملكيتها، فجاء معجمه موسوعة حقاً لاينقصها إلا الأعلام، ولعله يخصها بجزء فيكون كتابه معجم القرن العشرين...".‏
وحين صدر الجزء الأول من (المراجع) تناول التعريف به (رئيف خوري) في دراسة له بعنوان (مرجع العلايلي والمعاناة الإيجابية لمشاكل العربية) نشر عام 1963. جاء فيها: عمل الشيخ العلايليليس مجرد امتداد لجهود أولئك النخبة الأعلام، وإنما هو ثورة وخلق جديد، انتفع فيه الشيخ العلايلي بجهود من سبقوه، إلا أنه زاد عليه تجارب عصره ولا سيما ما كان من اطلاع على مناهج الغربيين في معاجمهم. وفوق ذلك زاد قدرة وعبقرية في اكتناه أسرار اللغة وسبر أغوارها وتجليتها على أضواء جديدة، وكشف احتمالات جديدة في تطويرها. لكن هذا المشروع الكبير الذي تنوء بعبء الاضطلاع به المؤسسات الكبرى توقف عند الحدود التي بيننا... وانصرف الشيخ ليكتب في أبواب أخرى وفي مشاريع معرفية أنجز منها الكثير وظلت تنتظر من يكمل الطريق.‏
العلايلي فقيهاً:‏
أهم ما يميز العلايلي فيما نشر وألّف تأكيده الدائم على الاجتهاد والإبداع في كل ما يتصل بالحياة. يتصدى في كتابه "أين الخطأ" لمسائل فقهية كثيرة، فيقول في مدخل هذا الكتاب:‏
"وإذا كان الإسلام العملي مصدر إبداع، فقد صوره الحديث النبوي بما هو أجمع وأكمل: بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ. ولكن لا كما فهمه القدماء لظنهم أن كلمة "غريب" من الغربة، بل من الغرابة، أي الإدهاش، بما لا يفتأ يطالعك به من جديد حتى لتقول إزاءه في كل عصر: أن هذا الشيء وعجاب...".‏
وقد عمل في هذا المجال، وفي كتابه المشار إليه في كشف القناع عن وجه الإسلام المشرق حين يقرر أن الشريعة بمنطق النبي( ومنطق العلم هي في تكيف وتجدد دائمين. مستنداً إلى الحديث الشريف: [إن الله يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مئة سنة، من يجدد دينها]. وللعلايلي في ذلك اجتهادات جمة في الكثير من شؤون الشريعة، في الزواج والتعامل مع المصارف والبنوك والأحكام الجزائية. وكان له اقتراح بإنشاء مجمع للبحوث الفقهية ينزع الجمود عن الشريعة ويجعل الظرف المتغير هو الموجب المقتضى.. محذراً ـ كما يقول أحمد أبو سعد ـ من الأخذ بالشريعة في قوالبها المذهبية وأطرها التقليدية.‏
العلايلي والكتابة التاريخية:‏
أصدر العلايلي كتابه (تاريخ الحسين: نقد وتحليل) واضعاً له مقدمة طويلة نشرت فيما بعد في كتاب مستقل تحت عنوان (مقدمات لا محيد عنها درسها جيداً لفهم التاريخ العربي). تأثر في مقدمته هذه بأفكار ابن خلدون ـ كما يقول (مسعود ضاهر) ـ إذ يرى أن القبيلة أو الروح القبلية، هي الشكل الأساسي للاجتماع عند العرب بحكم البيئة الجغرافية في شبه الجزيرة العربية. إذ كان الترحل معيقاً للاستقرار. يستعرض السمات الأساسية للنظام القبلي. ويرى أن تعجل العرب بالفتوح قبل الاختمار الديني وعدم عناية حكومات الخلفاء ببث التربية الدينية على نحو ما جرى عليه النبي( اسهم في العودة إلى العصبيات المتناحرة. وقد كان النبي كثير الترغيب للعرب في سكنى الأمصار وحض الأعراب على التحضر ليبدلوا من نفسياتهم الجافية، وترغيبهم في الزراعة.‏
يقدم العلايلي في كتابه هذا منهجه في كتابة التاريخ عبر مراحل أربع للبحث تتلخص في مرحلة التجميع، ومرحلة النقد، فمرحلة التأويل وأخيراً صياغة القصة التاريخية. رافضاً فكرة (أن التاريخ يعيد نفسه). وميز بين ظاهرة التاريخ الطبيعية والظاهرة الاصطناعية. يقيم بحثه على الشك في النص وهو ما فعله في مقالة له بعنوان (حتى تاريخنا الناصع تزوره الشهوات) المنشور في مجلة الفكر العربي ـ العدد الأول آذار 1962 يتناول فيه ما عرض له كتاب (العرب) لمؤلفه (فيليب حتى) عن حريق مكتبة الإسكندرية في رواية تقول أن المكتبة أحرقت بأمر من عمر بن الخطاب دون أن يتحقق من هذه الرواية، فيسهم في تقليب الرواية يقرنها بعرض الأحداث الوثيقة بهذه المقولة. عارضاً لروايات كثيرة عن هذا الحريق ليؤكد بالبرهان الواضح أن تلك الغربة لم تكن إلا من صنيع ابن العبري ليخلص إلى القول: وبذلك ننهي مع المؤرخ شويل إلى أنه آن في حقل التاريخ المحقق، أن تحسب هذه الرواية في عداد الأغلاط التاريخية النكراء.‏
كان العلايلي في كل ما كتب مؤمناً بالإنسان والقيم الإنسانية، باحثاً عن الحقيقة يقول في الجماعة الإنسانية اليوم مفهومان: مفهوم يضعها موضع التدجين، ومفهوم يضعها موضع رغباتها الحية المتعلقة، ويمد لها لفي مجالات أمانيها المتطورة. ومع ذلك يريدونك... وهل بين أن تكون إنسانياً سوياً كما صنعتك يد الله، وبين أن تكون من سقط المتاع كما تشاء أيديهم أن تصنعك محلاً للاختيار؟‏
عالم عبد الله العلايلي عالم رحب، يثير مشكلات كثيرة بحاجة إلى المتابعة ومشاريعه المعرفية الكبرى (كما يصفها محمد دكروب) بحاجة إلى من يأخذ على عاتقه مباشرة استئناف العمل فيها، ولن يكون ذلك ميسوراً لفرد واحد أو بضعة أفراد، يستلزم ذلك أن يضطلع بهذه المهمة مراكز بحوث للعمل في كل منها في نطاق عمل فريق.‏
كم كان غنياً فكر العلايلي... وكم هو مشروع أن يُتابع العمل فيما بدأه... وكن هو ضروري إعادة نشر مؤلفاته الكاملة.‏
مصادر البحث:‏
ـ مجلة الفكر العربي آذار 1962.‏
ـ الطريق: كتاب الطريق العدد الرابع 1996.‏
ـ الشيخ عبد الله العلايلي مفكراً ولغوياً وفقيهاً لعدد من الكتاب.‏
ـ كتاب عصبة العمل القومي. الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية 2004.‏

لتحميل الكتاب من مكتبتي الخاصة: اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.