03 مايو 2011

إشكاليّات التجديد ... ماجد الغرباوي

مصطلح “التجديد” أحد أشد الكلمات إثارة واستفزازاً في المجتمع الإسلامي اليوم، فبينما تصر طائفة من الإسلاميين على ضرورة استبعاد أية ممارسة تجديدية أو إصلاحية في الفكر الإسلامي، يشدد آخرون على الأهمية الفائقة لتجديد الفكر الإسلامي وإصلاحه، إذا ما أراد المسلم الانخراط في العصر والإصغاء إلى استفهاماته وتحدياته. وقد عبر الاجتهاد عن أعمق نموذج لتجديد فهم الدين، ورفده بطاقة مستمرة لمواكبة الحياة وتحولاتها المتنوعة، وكانت أفدح خسارة مُني بها العقل الإسلامي هي القرار المتعسف بإقفال باب الاجتهاد، وتعطيل فاعلية التفكير الإسلامي، وحصره بآراء الفقهاء الأربعة، وهي خسارة ما زال التفكير الإسلامي ينوء بأعبائها بعد مضي عدة قرون.
ولكن الحواضر العلمية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام ظلت بمنجاة من ذلك القرار، فتواصل فيها الاجتهاد، وبرز فيها عدد كبير من الفقهاء والأصوليين، الذين تركوا موسوعات زاخرة بالأبحاث العلمية المعمقة. وظلت عملية الاستدلال الفقهي تنمو وتتسع وتتشعب بمرور الزمان، فتفضي إلى آراء جديدة تتجاوز بعض الآراء القديمة بعد نقض مداركها. وعلى ضوء ذلك يمكن القول إن الفكر الإسلامي قدّم في مراحله المنصرمة قراءات متعددة للدين وللنص الديني تختلف وفق المعطيات الزمانية والمكانية لتلك القراءات. فكانت لكل مرحلة تساؤلاتها وإشكالياتها التي تعبر عن هموم الفرد والمجتمع آنذاك، وكان الفقيه والمفكر يستجيبان للأسئلة المصطفة أمامهما بحثاً عن إجابات تلبي حاجات المسلم وتطلعاته، وتحفظ للشريعة الإسلامية دورها في الحياة. وهذا الأمر كان يتطلب من الفقيه والمفكر أن يجددا باستمرار أدواتهما المعرفية ومحاولة اكتشاف المنطق الداخلي للنص الديني من أجل فهم ينفتح على حركية الحياة ويواكب تطورها المستمر. وبهذا الاتجاه أقبل المسلمون على الحضارات الأخرى وتفاعلوا مع عناصرها الإيجابية وأعادوا صياغتها في إطار خلفيتهم الفكرية وثوابتهم العقيدية.
ولم يقف التجديد في مراحله الأولى على مستوى محدد بل طال علم الكلام والفقه وأصوله والتفسير وعلوم الحديث واللغة… فأثرت حركة التجديد الفكر الإسلامي في جميع جوانبه. لكن عندما تعطل التجديد من مرحلة لاحقة من مراحل تخلف المسلمين وعجز الفقيه والمفكر عن تجديد أدواتهما المعرفية خبى الفكر وتعرض إلى التزوير والتشويه وتعطل العقل ونشطت الذاكرة، وأخذت الشريعة تضحي بغاياتها ومقاصدها الأساسية أمام حركة تأويل النصوص والتحليق بالإنسان خارج همومه الحياتية وأصبح الواقع يضج بالمغالطات. حينذاك شعر المصلحون ثانية بضرورة التجديد في الفكر الإسلامي لإزالة التراكمات والأوهام والخرافات والأساطير التي علقت بالدين من جراء السكون وفقدان الثقة بالذات، إلا أن وعي المصلحين فاق تصور هؤلاء وثبتت أقدامهم على طريق الإصلاح، فباغتوا الواقع المقفل وتوغلوا في الممنوع وأطلقوا صرخة مدوية إعادة الأمل. وهذا ما قام به رجال الإصلاح ممن سبق السيد جمال الدين الحسيني المعروف بالأفغاني وممن تلاه فأوقفوا المسلمين على نقاط ضعفهم ورسموا في سماء الحرية علامات الحياة القادمة وفضحوا الاستبداد بشتى أنواعه وكشفوا عن مغالطات المنتفعين والمتزمتين. ضمن هذا الإطار يأتي كتاب إشكاليات التجديد في محاولة لإعطاء إشارات مكثفة لمعالم عدد من المشاريع الإصلاحية المضادة للاستبداد، ولمحات سريعة لبعض إشكاليات التجديد ضمن تلك المشاريع.
وبصورة عامة فإن الباحث يصوغ مجموعة رؤى تحكي نسبية مدلول الاجتهاد، تبعاً لاختلاف الزمان والمكان، وتطور المعارف البشرية، إذ يستعرض طائفة من المشاغل الراهنة للعقل الإسلامي، فيقف عند كل واحدة منها ليحللها، ويتعرف على شتى المواقف بشأنها، ويغور في خلفيات تلك المواقف مرجعياتها، ثم يسعى لإنجاز بعض المقاربات والمداخل النظرية الأولية للتعاطي معها. ويجيء نشره في سلسلة كتاب مجلة قضايا إسلامية معاصرة بغية إثارة وعي الدارسين في قضايا الاجتهاد والتجديد وما يلابسها من جدليات واستفهامات.


لتحميل الكتاب: اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.