20 مايو 2011

وأخيرا: بؤس العالم (بأجزائه الثلاثة)... إشراف: بيير بورديو

                                                         


«
بؤس العالم» هو عنوان كتاب، أنجزه باحثون اجتماعيون بإشراف عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، والكتاب يتألف من ثلاثة أجزاء، وقد صدر بطبعته العربية العام 2001 عن دار كنعان، بالتعاون مع وزارة الخارجية الفرنسية وقسم الخدمات الثقافية في السفارة الفرنسية في سورية، وقام بترجمته محمد صبح وسلمان حرفوش ورندة بعث وراجعه وقام بالتقديم له د.فيصل درّاج.
كما نقرأ في المقدمة، يطرح الكتاب أسئلة تمس القراءة ومنظور الكتابة، والموقع الذي ينظر منه الكاتب إلى قضايا الذين يكتب عنهم ولهم.
وعلى المستوى الأول، يقف القارئ أمام بشر متعبين يبوحون بمشكلاتهم اليومية، أي أمام حكايات فردية ومصائر فردية. لكن الحكايات، التي يعيد «تنظيمها» عالم الاجتماع، لا تلبث أن تربط بين الفردي والعام، محاصرة «الوعي الزائف»، الذي يشتق الظواهر الاجتماعية من الأحوال الفردية، كما لو كان المجتمع مجموعات من الأفراد لا أكثر. ولهذا تبدأ الحكايات بالأفراد وأماكن عيشهم وشروط عملهم ومسار حياتهم، وذلك في استقصاء متصاعد ينتهي إلى السببية الاجتماعية، التي تنتج كائناً بائساً «يفسر» فقره بوعي أكثر بؤساً. ولعل هذا الاستقصاء الحكائي، إن صحت العبارة، هو الذي يمد كتاب «علم الاجتماع» ببعد تربوي، كأن الكتاب يضع القارئ، إن أحسن القراءة، أمام شروطه الاجتماعية، بعد أن يحرره، ولو نسبياً من منظور زائف، يخطئ الأسئلة والإجابات في آن واحد. وهذا ما يجعل بورديو، وهو يحيل إلى كتابه يتحدث عن «طريقة أخرى لعمل السياسة»، أي عن «طريقة تربوية» تدفع الفرد إلى التمرد على الأسباب الموضوعية التي تنتج بؤسه.
مهما تكن الأسئلة الكثيرة التي يثيرها كتاب «بؤس العالم»، فإن السؤال الجوهري، ومحوره بورديو على أية حال ، هو «المعرفة الأخرى» التي تبدأ بـ«الأكاديمي الرصين» ، إلى أن تصل إلى مهاد جديدة تكون فيها نقداً لـ«المعرفة الأكاديمية» ونقضاً لها، والكتاب رحلة كابوسية متعددة الوجوه في أرجاء «الرأسمالية»، والتي هي قوام «بؤس العالم» كما يصفه درّاج.
حيث أصبحت الهوة واسعة بين الفقر والغنى في عالمنا المعاصر الذي تحكمه المرجعيات الرأسمالية العالمية، وبلغة الأرقام، فإن مئة وعشرين شخصاً فقط هم الأكثر غنى في العالم باتوا يتحكمون بثروة تتجاوز ما يملكه مليار ونصف من سكان الأرض، وقد دأبت الليبرالية الجديدة المنتصرة على تقويض العوائق التي تعيق حركة الرأسمال العالمي وبمسعى واضح منها لتحويل كل شيء إلى نقود، ما يؤدي بالتالي إلى جعل الرأسمال العالمي حراً طليقاً يراكم ثروات المركز الأوروبي الأميركي ويقوض بالتالي اقتصاد دول الأطراف.
وقد شكل إنتاج الثقافة وإبداعها ونشرها أمراً مركزياً في برامج القوى السياسية المكافحة من أجل التحرر وفي ممارستها أيضاً، إذ باتت هذه القوى تنظر إلى الثقافة على أنها الوجه الآخر للتسييس. غير أن الليبرالية تنظر إليها من وجهة نظر معاكسة، فبعد القول «بنهاية السياسة»، يأتي القول «بنهاية الثقافة»، أي نقلها من حقل السياسة إلى حقل التجارة، ومن مدار الأحزاب السياسية إلى مدار رجال الأعمال، بحيث يصبح رجل الأعمال هو المرجع المركزي للإبداع الثقافي بدلاً من الناقد أوالجمهور. وقد ساعدت التقنية المتطورة التي أتاحتها الليبرالية الجديدة على تحقيق هذه الغاية، وأدت إلى التحكم بالأسواق المالية والسياسية والثقافية على حد سواء. هذا الكتاب يطرح وبشكل مكثف هيمنة الليبرالية الجديدة على الليبرالية القديمة، والتي قادت إلى انتصار الشمال على الجنوب بالتزامن مع تداعي مشاريع التحرر الوطنية.. وهذا الانتصار يحمل في طياته أكثر من مدلول، فالعالم الذي يبدو في نهاية القرن فردوساً لدى البعض، يتكشف جحيماً سافراً لدى البعض الآخر، ذلك أن الاقتصاد العالمي الجديد بحاجة إلى أسواق جديدة باستمرار...وهذه الأسواق موجودة في بلدان الجنوب وبلدان أوروبا الشرقية، ومن هنا فإن الشمال هو الذي يفرض صيغته وأوامره على غيره.
والكتاب يتحدث أيضاً عن دور الولايات المتحدة وحلف الناتو، منذ بداية التسعينيات في إعادة صياغة النظام الدولي الجديد، حيث يحق لحلف الناتو التدخل في آسيا وأفريقيا ووفق المشيئة الأميركية.
وتشكّل مقولة «اقتصاد السوق»، المسيطرة عملياً ونظرياً على المستوى الكوني، المرجع الرئيس للعالم الذي نعيش. وتبدو هذه المقولة وقد استبعدت، ظاهرياً، السياسة والإيديولوجيا، موضوعيا، بل تعبيراً عن «علم خالص» شديد الموضوعية. وتمتلك السوق في هذه المقولة، عقلاً خاصاً بها، يصحح أخطاء السوق ويمنع عنها عثراتها ويلبي لزوماً حاجات الناس، دون الإضرار بهم على الإطلاق.
وبسبب «عقلانية السوق»، التي هي صورة أخرى عن علم  اقتصادي عقلاني، فإن العالم كله يسير نحو سوق متجانسة عالميا، تؤمّن حاجات البشر دونما تمييز.
وهذه «السوق العاقلة»، وقد سيطرت وتعمّمت، تفرض على الظواهر الاجتماعية المختلفة أن تكون تابعة لها، فتخضع الثقافة والفن لمنطق السوق، وتمارس السياسة دورها بما يحفظ «استقلال» السوق و«عقلانيتها».
تمثّل هذه الوقائع، مرحلة جديدة من مراحل الرأسمالية العالمية المنتصرة، مع فارق أساسي، هو أن كل مرحلة جديدة تحمل معها المزيد من الثراء والسيطرة لطرف معين والفقر والحصار لطرف آخر.....طرف آخر لم تعد لديه أدوات أو أسلحة للمقاومة.
هل هذه اللحظة هي نهاية التاريخ كما يقول فوكوياما، أم أنه سينقلب السحر على الساحر، وتدور العجلة بالاتجاه المعاكس؟


اضغط على غلاف الجزء لتحميله





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.