29 يوليو 2011

قضية "إعجاز القرآن" وقضيّة البيضة والدجاجة في "سيدي" رمضان !... محمّد الناصر النفزاوي

قراءات في سطور المدينة التونسية
بقلم محمد الناصر النفزاوي 

عفوا لم أفهم

أو

قضية " إعجاز القرآن" وقضية البيضة والدجاجة في "سيدي" رمضان

  
 رأيت في التلفزيون مساء  الأحد الماضي مشاهد من تظاهرة "ثقافية دينية"  نظمها إسلاميون في قبة المنزه  ذكرتني  لاشعوريا  بهذه الحشود الكروّية التي يعجز الملعب عن احتوائها في  المقابلات الكروّية الحاشدة.
هذا الأمر لا غبار عليه  اذ من الطبيعي أن يحشد الآخذون بـ"الإسلام/يّة" الحشود  من أنصارهم ونصيراتهم تأكيدا  للوجود  تماما مثلما يفعل من يتخذون من غير مكة وضواحيها  كعبة لهم :فهذه التظاهرات تتيح ،للشبان والشابات خاصة الذين تأكلهم الحيرة الفكرية  الدينية والجنسية وينغّص التفكير في المستقبل الغامض  على الكثيرين منهم حياتهم أن يتنفسوا لفترة قصيرة بملء الرئة.
لقد قلت ليتنفّسوا وليتنفّسن فلنحتفظ بهذه الكلمة الهامة التي سأعود إليها بعد قليل.
لقد عشت  شخصيا مثل هذه الحيرة  ومثل هذا الكبت  منذ الصبا أي كنت مبكرا في هذا المجال  اذ أن أبي النفزاوي الجنوبي كان مؤدّبا (بالمعنى الحقيقي لا المجازي)حفظني القرآن ب"العصا" ثلاث مرات كاملة قبل أن أبلغ العاشرة من دون أن أفهم منه شيّا  ولم يتبق من عباراته "المعجزة"  في ما أكتب غير بعض ما يتسرب الى أسلوبي أحيانا من نفس ضاغط قاهر.
لنعد بعد هذا الاستطراد الى ما سميته  بعملية"التنفس" و"التنفيس".
. إن هذا التنفّس ، وأنا لست بـ"طبيب للصدور"، إما أن يكون(ولا أتحدث عن المرضى خلقة) تنفّسا "سليما" أو تنفّسا أقل سلامة: ولقد سبق أن  عددت نفسي من  ضمن من لم يرّبوا بسبب الجهل والفقر، على التنفّس السليم:
 فأنا لم أندم على أن  ربّيت تربية دينيّة   ولكن لومي ينصب على الخلل البيداغوجي في هذه التربية وهو خلل رأيته في الدغمائ/يين من خصوم الإسلام/يين مثلما أراه في الإسلام/يين الذي افتتحت بهم  كلامي اذ جميعهم من دون استثناء سلكوا ما سلك أبي في :تعليمي بـ"العصا" من دون مراعاة لسني العقلية على الرغم من أن القدماء  الفطنين من الأجداد كانوا عندما يكتبون كتابا ينشئونه على وجوه ثلاثة: وجه  لمن يشكون نقصا في التعليم ووجه  لطبقة  وسطى ووجه  لمن تجاوزها تعليما على الأقل.
أما منظّمو التظاهرة فقد سلكوا مسلكا معاكسا  لمسلك هؤلاء الأجداد الفطنين فاختاروا ،تماما مثلما فعل أبي في الزمن الخالي، موضوعا لمحاضرة ألقاها داعية مصري قضيّة "الظاهرة القرآنية".
لقد اختار هذا المحاضر موضوعا أرى فيه "إغراقا" للحاضرين وهم من الشباب الجديد الذي عشت ما يعيش من حيرة دينية  أصدق من "حيرة الغزالي" المصطنعة ، في قضية طرحت منذ 1946 ولكن  أحداث 1948 وخاصة قيام الدولة الصهيونية دفعت  الحائرين من  العروبيين والإسلاميين الى تجاوزها الى ما هو أكثر فعلا وتأثيرا في  مصير العرب والمسلمين فظهر "البعث" تجاوزا للأرسوزي وظهر مالك بالنابي ، بعد أن طلقّ فترة "الظاهرة القرآنية " (1946) بوصفه صاحب اتجاه إسلامي  جديد ينزل" واقع تخلف" المسلمين المنزلة الأولى في التفكير  أي بعبارة أخرى أن التفكير عند  القوميين الى سنة 1948والتفكير الإسلامي  الى سنة 1948 كانا يتمحوران حول "عبقرية"اللغة العربية" عند الأرسوزي و"الظاهرة القرآنية" أو "إعجاز القرآن" عند مالك بالنابي أي ما يرادف " التغني" عند الألمان "بروح اللغة" زمن طفولة الدولة الألمانية قبل قرن من الزمان أي ما يرادف حصر القرآن في بعده البلاغي.
ولقد أجبرت أحداث 1948 ثم   ثورة الناصريين فيما بعد  "البلاغيين" على الارتداد الى مواقع خلفية تقع أساسا في العربية السعودية التي ترفض القومية العربية  بعثية كانت أم ناصرية وتفضل عليها سيد قطب وخلفاءه من الذين كانوا يرون "أن المسلم متقدم على بقية سكان الأرض لمجرد انتمائه الى الإسلام" هو متقدم على الأمريكان والروس واليابانيين والانجليز والفرنسيين معجونين في "هريسة" واحدة أما السلمون من الوهابيين والبنغلادشيين والأفغان أي كل الآخذين بما كان يرى سيد قطب فهم "متحضرون".
وأنت لو حدثت  طفلا بمثل هذا الحديث  فلسوف يرتد عنك  ولو في سن متأخرة مثلما حدث لراشد الغنوشي بعد فترة "المحنة" أي بعد أن أتمّ حقيقة دورته على عكس العدد الكبير من أتباعه الذين ما زالوا الى اليوم مشدودين الى القاطرة الإسلامية نسخة 1946-1948    لقد كان عمر الغنوشي سبع سنوات عندما تجاوز التياران العروبي والإسلامي " الفنقلة البلاغية" حول "الظاهرة القرآنية" لذلك  سينتمي إلي القوميين لأنه معرّب حتى النخاع  درس في المشرق الى أن أصيبت الفكرة القومية ممثّلة في  كارثة 1967 في عمودها الفقري فعاش فترة حيرة حقيقية هذه المرّة ( أقول هذه المرّة لأن الرجل سياسي بأتم معنى الكلمة   وهنا أكاد أن أبتسم وأنا أرى "القلّيل" أي الزوّالي بالتركية محمد الطالبي يطلب مبارزته "قرآنيا" وهو الذي لم يتجاوز دائرة البحث في" الظاهرة القرآنية" التي بلغت مثل الطالبي من العمر  عتيّا)ستنتهي به  في السبعينات الى  تبنّي سلفية سيّد قطب تبنّيا كليّا على عكس ما  أوردنا له في الموقع قبل أيام اذ  حدث (وأنا هنا أتحدث عمّا كنت أعرفه عنه الى  حدّ امتحان الاتجاه الإسلامي ) سنة1975 أن نقلت بعد إضراب 1975  الذي شهّر به كل من إدريس قيقة  والحبيب عاشور من المعهد الفني بالقصرين الى المعهد الثانوي الوحيد في عين دراهم  نقلة عقاب  فتجمع هناك عدد من المضربين  المعاقبين وكلهم بلا استثناء  "يساريون" .
لقد كنّا جميعا نتكفل بدروس الباكالوريا لقلة أساتذة المرحلة الثانية  قبل أكثر من ثلاثة عقود.
وقد قدم علينا آنذاك راشد الغنوشي  لإلقاء محاضرة حضّر لها عدد من أساتذة التربية الدينية وكانت القاعة الكبيرة مكتظة  بمثل ما لم تكتظ به في يوم من الأيام وبدأ ت محاضرة الأستاذ لا بما ادعى في قراءات هذا الموقع من أخذ  باتجاه إسلامي  استوحاه من مالك بالنابي منذ 1969 ولكن بما  يفيد أن "سيّد قطب التكفيري ما  زال حيّا يرزق" أي كان  يتحدّث بمنطق ما يسمى اليوم في تونس بـ" حزب التحرير"أي منطق تكفير اليساريين والطلبة "الذين عندما تدخل مساكنهم فإنما أنت تدخل إسطبلات"(بكسر الطاء والباء): سكر وفسوق ومجون".
كان الاتجاه الإسلامي في هذه الفترة (1976)خادما طيّعا لسياسة الحزب الدستوري موضوعيّا على الأقل.
توجّهت مباشرة الى المنصّة وصرخت في الغنوشي:" من بعثك لتقول ما تقول ؟" ثم غادرت القاعة   وتبعني عدد لا يستهان به من تلاميذ وتلميذات السنة النهائية والغالبية الساحقة منهم  أحياء اليوم  اقتربوا من سن الستين فأنا لا أحتاج بسبب هذه الحقيقة الى أن "أقسم" بالاه القرضاوي ومن يشبهه ممّن اضرّوا  بالإسلام أكثر مما أضّر به سلمان رشدي.
 إن تفكير الأستاذ راشد الغنوشي كان في هذه الفترة  شبيها بتفكير الشيخ الجزائري عباسي مدني  ولا أحد يجهل ما  بلغته الأمور في العشرية السوداء في الجزائر عندما  شاع تقتيل  لا نتبيّن الى اليوم دور الإسلاميين القطبيين  ورجال المخابرات  ومجرمي الحق العام فيه.
ويدل ما حدث  في الأيام القليلة الفارطة  في تونس على محاولة  لتكرار هذه التجربة في تونس التي جهل  عد من السياسيين فيها ليسوا بالضرورة من حزب النهضة أنك إن فتحت "القارورة" المشهورة فانك لن تضمن ألا  يخرج منها ألف عفريت وعفريت.
ما أود أن أفيد به هنا هو أن راشد الغنوشي صادق في مآخذه على سلفية" الإنقاذ" التي تصرفت تصرّفا  يفيد أن بالنابي"كأنه لم يمرّ من هنا"(يقصد الجزائر)  ولكن موقفه هذا  لا يرقى مثلما قال الى 1969 عندما زار بالنابي في بيته لأن سياسة الاتجاه الإسلامي في تونس "قبل المحنة"  إنما كانت سياسة "سيّديّة قطبية" لا "مالكية بنّابيّة".
إن سببي هذا الاستطراد هما أولا الإدلاء بشهادتي في موضوع ما زال محل أخذ ورد.والناس يتطورون مثل كل ما في الحياة  فالقصد ليس، إذن ، "محاربة" النهضة التي أعلنت عن "اتجاهها البنّابي" القاتل للتصور الـ"سيدي القطبي" بل العكس  هو الصحيح اذ أحب أن تتعقلن وتتمغرب وأن تركّز على " صنعة الصانع" أي على عباد الله في همومهم العاجلة وثانيا التأكيد على أن النهضة ليس يمكنها أن تسيطر علي كل السديم الإسلامي اذ يوجد في هذه البلاد أكثر من تيار إسلامي واحد.وليس من السهل غرس البنّابية في أذهان كل هذه التيارات..ودليلي على ذلك ما تخيّره الداعية المصري في قبّة المنزه موضوعا لمحاضرته.
لقد أرهقتكم وأرهقت نفسي فكيف أختم ؟
 إنني ، عودة الى الموضوع الأصلي، أجزم أن الأغلبية من شباب وشابات الإسلاميين الذين استمعوا الى محاضرة الأستاذ المصري حول "إعجاز القرن"لم  تفهم  منها شيئا كثيرا.فحتى الطلبة المختصون يصابون بوجع في الرأس إن طرحت عليهم قضية مثل هذه في  كليات الاختصاص لا في قبة المنزه اذ هي تتناول  قدم العالم أم حدوثه ومن ثم هل القرآن مخلوق أم محدث.؟
 أما خارج هذه القبة و في سيدي بوزيد على  سبيل المثال فان الغالبية من الناس يشغلهم سِؤال  ما أبعده عن قضية " من السابق ومن اللاحق:البيضة أم الدجاجة؟" ويتعلق بثمن البيضة في شهر "سيدي" رمضان اذ أن هذا الشهر تحول هو بدوره الى" سّيد  سلطان دكتاتور"قاهر لا يرحم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.