16 أكتوبر 2011

أصنام النظريّة وأطياف الحريّة (نقد بورديو وتشومسكي)... عليّ حرب

نقد معمّق البحث يجمعه الباحث والكاتب اللبناني "عليّ حرب" في  هذا الكتابحيث يتصدّى لـنقد عالمين كبيرين مثقفين يتصدران الساحة العالمية في واجهة الدفاع عن حقوق الإنسان وقضايا الشعوب، هما" نعوم تشومسكي" في حقل الدرس اللغوي، و"بيار بورديو" في حقل الدرس المجتمعي.
الكتاب غنيّ وممتع في تسلح الناقد بـمنهجية واضحة وبـأدوات استقصاء وكشف ملائمة في تناوله لـبورديو و تشومسكي." بيار بورديو" عالم اجتماع فرنسي ومفكّر بارز يقود حركة سياسيّة جديدة أطلق عليها مسمّى (يسار اليسار) وينتقد الليبراليّة الجديدة ويناهض النظام العالمي، وله حملات متكرّرة ومتصاعدة ومتناقضة على وسائل الإعلام (المرئيّ والمكتوب) خاصّة التلفزيون. ويرى "عليّ حرب" أنّ  بورديو" يتعامل مع مهنته على نحو نضالي تحرّري سواء تمّ ذلك بصورة مضمرة كما في بداية عمله الأكاديمي أو بصورة معلنة وصريحة كما يفعل الآن... حيث يتحوّل معه علم الإجتماع إلى سلاح سياسي... هذا المنحى النضالي قد تجسّد في سعيه الدؤوب والمتواصل لـتفكيك الآليّات والمؤسّسات الرمزيّة أو المادّية للأطر والهيئات المجتمعيّة المختلفة كالعائلة والمدرسة والكنيسة والجامعة.ويناقش المؤلّف نقد "بورديو" لليبراليّة الجديدة وحملته على وسائل الإعلام التلفزيونيّة خاصّة، متّهماً الشاشات بـأنّها تفبرك كُتّاباً وعلماء وفلاسفة لا يستحقّون المواقع التي يحتلّونها في مهنهم المعرفيّة. 
ثمّ ينتقل المؤلّف لنقد "تشومسكي" من خلال كتابه (اللغة ومشكلات المعرفة) حيث يناقش نظريّة "تشومسكي" التوليديّة والتي ترى أنّ اللّغة البشريّة ملكة فطريّة ذات جوانب إبداعيّة تتجلّى في القدرة على فهم وإنتاج ما لا يتناهى من الجُمل الصحيحة من خلال نسق صوريّ متماسك يدخل في التركيب العضوي للدّماغ بقدر ما يشكّل جزءًا من النظام الإدراكي هذا النسق اللغوي الوراثي قوامه جملة محدّدة من المبادىء يُسمّيها " تشومسكي" (الكليّات النحويّة)، ويرى أنّها تتحكّم في جميع اللّغات البشريّة... في حين يرى النّاقد "علي حرب" أنّ الأحرى أن تفهم اللّغة كسيرورة إبداعيّة تتيح عبر الفاعليّة التخيلية والمفهوميّة التعامل مع  المعطيات الطبيعيّة بصورة آليّة، أي بـصورة مفتوحة ومرنة.
وينتقل "عليّ حرب" في نقده لـ"تشومسكي" بين عدّة عناوين هي (تشومسكي بين النجوميّة والإمبراليّة، الحتميّات ومآزقها في تفسير الظاهرات، العدالة والمساواة بين النظريّة اليابسة والتجربة المعاشة).ثمّ يخلص المؤلّف في (خلاصة) في آخر الكتاب إلى أن (الأزمة مجالاً للمعرفة) مقدّماً سياسة معرفيّة يتغيّر معها عمل الفكر على عدّة مستويات: على مستوى الرؤية، وعلى مستوى المنهج، وعلى مستوى المعاملة.
الكتاب صدر عن المركز الثقافي العربي في طبعته الأولى، ولا تتجاوز صفحاته المائة صفحة، وله ثلاثة أقسام، تتصدّره مقدّمة بعنوان الحرية والمصادرة، وفي رؤى معرفيّة مختلفة حول عالم وعلم الاجتماع وسلطة الثقافة وحقولها المتعددة، وتوليد الأفكار في إطار نقد" بورديو" و"تشومسكي".ويؤكّد الكتاب الشيّق الآليّة النقديّة التي يستخدمها على أنّ النقد هو ممارسة حريّة التفكير بعيداً عن المصادرة تحت أيّ شعار، ولو كان يتعلّق بالدّفاع عن الحقوق والحريّات العامّة .
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.