إنّ تأثير الغرب
والحداثة التي تقف وراءه يثيران في أيّامنا ويحرّكان في العالم الإسلامي مدارات
مقاومة عديدة، فيولّدان تارة تراجعاً إلى أسطوريّة الأصول، ظنّاً بأنّها تحلّ
بأعجوبة كلّ التعاسات الأخلاقيّة والتفاوتات الاجتماعيّة التي تشكو منها هذه
المجتمعات، وتارة يسبّبان هرباً إلى الأمام نحو مغامرات متزايدة المخاطر، وتارة
أخرى يحرّكان رفضاً قاطعاً لمواجهة تحديّات الأزمنة الجديدة. إنّ كلّ هذه المهارب
والمخارج تعبّر عن وجوه شتّى لظاهرة واحدة، وتترجم أعراض قلق عميق صادر عن عدم فهم
أو عن عدم تمثّل واستيعاب ظاهرة تاريخيّة كبرى (الحداثة في معناها الواسع جدّاً)، بل
كانت تؤخذ دائماً وفقاً للتحوّلات الأليمة التي ألحقتها تقاليدنا وموروثاتنا في
طريق معيشتنا وتفكيرنا. في هذا الإطار يأتي هذا
الكتاب ليتناول مشكلة العرب والمسلمين في نظرتهم إلى الغرب. فالباحث، وهو مسلم من
إيران، يرى أنّ نظرتنا مبتورة ونفسنا مبتورة، لأنّنا نشتعل نقداً وحساسيّة تجاه
الغرب، أو نبالغ إغناءً وإذعاناً أمام ما نحن فيه. ولأنّنا أيضاً، إمّا أن نعود
إلى السلف الصالح، ردّاً على الغرب، وإمّا أن نلتمّ التماماً سطحيّاً بالغرب،
فننقل ما عنده من دون أن نملكه، وبهذا نهرب من واقعنا إلى ما بعده أو نتوهّمه. وفي
الحالات كافّة، يقع هذا الكتاب في قلب هموم ساخنة يعيشها العالم الإسلامي اليوم،
وعنده الكثير الذي يضيفه إلى السّجالات الدائرة أو تلك التي يمكن أن تتفجر في أيّ
لحظة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.